لغة الصحافة أصبحت (رطانة)، ولم تكن من قبل هكذا، فقد نشأنا على صحافة متشددة في لغتها العربية الرصينة، ووجدنا من سبقونا يكتبون بلغة رفيعة، وكانت الصحف تحرص على تعيين حراس شداد غلاظ في مجال اللغة العربية، ليكونوا مصححين، وقناصة لما قد يفوت على المحررين، والكتاب، والطابعين من أخطاء نحوا وإملاءً . ومصححو اليوم .. ذوو دراية باللغة العربية، لكنهم لا يتشددون كسابقيهم، وقد يضربون (طناشا) عن الكثير من الاستعمالات اللغوية غير الصحيحة، تساهلا مع لغة الصحافة السائدة .. وتحاشيا للتعنت ! انظروا لصويحبكم مثلا، فقد قلت إن المصححين قد يضربون (طناشا) .. وبصراحة لا أعرف من أين جاءت كلمة طناش هذه، فهي ليست عربية، ومع ذلك فهي معروفة .. ومتداولة .. وتمثل مفردة من المفردات المستعملة، ونقع في خطأ استعمالها، وهي من الكلمات التي لا يستعملها أعراب الخليج في دارجيتهم، ولا أعرف إن كان غيرهم من الأعراب قد سمحوا لها بالتغلغل وفرض الوجود ! لكن صحافة الخليج .. ليست بريئة هي الأخرى من غزو الكلمات غير الفصيحة، بل ويوجد كتاب أصحاب صيت وشهرة، اكتسبوا مكانتهم ونجوميتهم من استعمال الألفاظ العامية، والظاهرة موجودة أيضا في لبنان، ولعل بيروت هي أول من تساهل وسمح للغات الدارجية بغزو الصحافة، ولا ننسى مصر، ودول المغرب العربي، والأمثلة تتعدد وتستعصي على الحصر. والطناش مثال فقط للكلمات غير العربية، وغير المعروفة المنشأ، لكن هناك كلمات تؤدي نفس المعنى، غير أنها ذات جذور، رغم أنها غير معروفة في لغتنا الفصحى، ولا يتداولها الفصحاء البتة، مثل (الصهينة)، فإذا أردت أن تتجاوز شيئا وتتناساه، فيمكنك أن (تصهين)، وهي كلمة لا يمكن الطناش عن ارتباطها الجيني بالصهيونية، إلا إذا انبرى لنا من يعرف .. ويثبت أن لها جذورا أخرى غير تلك التي قلنا بها ! ومن العجيب أن في دارجيتنا .. كلمات مجهولة الأبوين، ومع ذلك تتحكر في كلامنا، وربما نستعملها في الكتابة، مثالها كلمة (لطش)، فهذه الكلمة معروفة بمعنى السرقة، فإذا لطش لص محفظتك، سواء أكانت فارغة، وهو ما أتوقعه، أو مكتنزة بالدراهم، فهذا يعني أنه سرقها، وهذا الاستعمال معروف ولا يستفسر أحد عن معناه. كما أنك إذا قبضت على اللص الذي حاول لطش المحفظة، فقد تثور ثائرتك، وتقوم بلطشه على وجهه، أي تصفعه، وهذا استعمال آخر لنفس الكلمة، ولكنه بمعنى مختلف، والجميع يفهمه بمعنى الصفع، رغم أن اللطش، بالمعنيين، لا يوجد له أصل من بعيد أو قريب في لغة الضاد. طبعا هناك كلمات فصيحة، لكننا نقلب بعض حروفها، على طريقة العرب في ألسنتهم القديمة، فترانا نقلب الذال ضادا، مثلما نقول (الضبّاح)، أي الذي يذبح البهائم، والمقصود (الذبّاح)، وكذلك نتحدث عن (الضنب)، ونحن نقصد الذنب، ونقلب ذال الأذن التي نسمع بها، فنسميها (الأضان) .. وغير ذلك مما نلحظه من استعمالات وتبديلات. لغتنا لم تسلم من غزو العامية، وربما الرطانة، لكننا على أي حال لسنا وحدنا، بل ما زلنا الأفصح عربيا دون منازع، سواء في دارجيتنا، أو في صحافتنا المكتوبة.