كلما بعثت الحكومة الاتحادية رسولاً جديداً من ولاتها إلى ولاية نهر النيل، يذهب مباشرة بعض نشطاء الولاية بالعاصمة إلى إقامة «حفل إرسال» هنا في الخرطوم، ويقابله بطبيعة الحال «حفل استقبال» بالولاية، ولم يكتف هؤلاء الإخوة النشطاء «بحفل الإرسال الخرطومي»، وإنما يشكلون «موكب زفة» مرافقاً لموكب السيد الوالي الجديد وهو يدخل الدامر عاصمة الولاية، كما يدخل المناضلون الفاتحون، وكنت كواحد من أبناء الولاية الناشطين في مجال الصحافة؛ «هدفاً مستمراً» لدعوات احتفالات الإرسال التي تتم هنا في الخرطوم، وهي احتفالات من ذوات الخمس نجوم بحيث تقام غالباً بقاعة الصداقة أو بنادي قوات الشعب المسلحة بالخرطوم، وكان في كل مرة يعلق «المرسلون» كل الآمال على بعثة الولاة المبعوثين للولاية، كل على حدة، لم أشهد احتفالاً واحداً قلل فيه المحتفلون من بعثة أحد ولاة المركز المرسلين، لدرجة أكاد بعد كل «احتفال إرسال» أذهب لكتابة مقال على شاكلة «هذا آخر الولاة»، المركز يختتم بعثاته لولاية نهر النيل بهذا الوالي الجديد، وذلك من فرط الآمال التي يعلقها المحتفلون على عاتق الوالي المبعوث، لكن الذي يحدث على أرض الواقع مختلف تماماً، بحيث يرتد كل والٍ بعد عامين اثنين لعدم توفر الرصيد الشعبي، هكذا يقولون، فكل ولاتنا يرتدون (RD) كما الشيكات التي تخذلها الأرصدة، ونسبة لهذه الارتدادات الولائية السريعة أوشكت في «احتفالات الإرسال» الأخيرة التي شهدتها هنا في الخرطوم، أوشكت أن أذهب لأكتب مقالات تحت عنوان «كلهم مروا من هنا»، وذلك دلالة على أن هذا الوالي الذي نحتفل ببعثته الآن لا محالة سيرتد «لعدم وجود الرصيد الكافي»، واجتهدت كثيراً لأتعرف على «العيوب الولائية» التي تجعلهم يرتدون بهذه السرعة، وتأتينا الإجابة من أحد «الولاة المسترجعين» وتحديداً من الأستاذ حسن رزق، والأستاذ حسن رزق كان في أحد المرات يجلس على منصة احتفال بعثة الوالي البروفيسور أحمد مجذوب أحمد، وكان الاحتفال الذي شهده جمع هائل من أبناء الولاية بالخرطوم يقام بقاعة الصداقة بالخرطوم، ولقد ذهبت كل الكلمات باتجاه أن البروف المجذوب هو «آخر الولاة»، فقال لهم رزق يومها «على رسلكم»، إن الحكاية ليست هي حكاية «الوالي المبتعث» ولكن الحكاية هي حكاية «ولاية وشعب»، ولاية فقيرة وشعب ملول، والحكاية الأخطر التي سجل اعترافها الأستاذ رزق في تلك الليلة هي «أن مواطني ولاية نهر النيل كل واحد منهم يصلح أن يكون والياً»، وهذه حكاية خطيرة جداً «أن تكون والياً لشعب من الولاة»، والجماهير في ولايتي يمكن أن يمهلوا الوالي الجديد فترة ستة أشهر، فإذا لم تهتز الأرض من تحتهم بسبب آليات التنمية فإنهم سيبدأون مباشرة في صناعة بعض التراجيديا التي ستنتهي لا محالة بالإطاحة بواليهم الجديد! لكن الذي يحزنني في تراجيديا هذه الحكاية، كما لو أن هناك سيناريو لاغتيال بعض الكوادر، فإذا أردت أن تتخلص من كادر فأرسله إلى ولاية نهر النيل، ودليلي أن معظم الولاة المسترجعين من هناك لا يصلحون في معظم الأحيان لأية مهمة أخرى، فواقع الحال يقول ذلك، أين رزق وأين البروف قنيف وأين المجذوب وأين غلام الدين؟ أين هم من الحكومة المركزية ومركزية حزب المؤتمر الوطني! احتشدت في مخيلتي هذه التداعيات والمآلات وأنا أدعى لأشارك في «الرحلة الثانية» لصحيفة «النيل اليوم»، التي يرأس نسختها الحالية الصحفي الحصيف عبد الله عقيد ويدير تحريرها الإعلامي الأشهر بالولاية جمال مكاوي، ورأيت أننا لا نصلح لعهدين وأن تتاح الفرصة لآخرين، وعلى الأقل سنكون طلقاء وأحراراً في تناول «قضايا الذهب والسدود والتنمية».. الملفات التي تواجه الولاية.. وتمنيت لأصدقائي هؤلاء الذين يساندهم الصحفيان عثمان محجوب وحافظ أونسة كل التوفيق.