{ ولأن الكمال من صفات الخالق وحده، وهي صفة يستحيل أن يتصف بها بشر، مما جعل أهلنا الطيبين البسطاء المؤمنين بالفطرة يتخذون منها فلسفة ومثلاً حينما يقولون (مافي جمالاً خاتي قولة أكان)، ويقصدون أنه ليس هناك جميل كامل الهيئة والحسن إلا وفيه صفة تنقص من هذا الجمال قليلاً، وعلى هذا القياس فإنه من الصعب علينا أن نطلق الأحكام الغاضبة والساخطة على هيئة الحج والعمرة بسبب إخفاقات أو قصور ما في الأعوام السابقة، ينقله بعض الحجاج العائدين من الحج، وكلنا نعلم المزاج الصعب للسوداني الذي يتلخبط ويتكهرب من أقل قصور، لكن الشكوى هذا العام فاقت حداً يفوق الوصف، وأنا أستمع بأذنيَّ لحجاج، إن كانوا من أسرتي أو أصدقائي الذين أكرمهم الله بالحج هذا العام، كيف أنهم عانوا أشد المعاناة من إهمال بعثة الحج لهم، حيث قالت لي صديقة: إن الكثير من الحجاج، كبار السن، لم يجدوا الأمراء المسؤولين عنهم لتوجيههم نحو أداء الشعائر كما ينبغي لهم أن يؤدوها، هذا إضافة إلى أن العدد الكبير للحجاج، الذي بلغ حوالي الثلاثين ألفاً، جعل البعثة غير منظمة الشكل والهيئة كبقية بعثات الدول الإسلامية الأخرى. ونقلت لي أخرى أنها، مع دفعها عشرة ملايين رسوم الحج هذا العام، لم تتناول لقمة طعام واحدة في الفندق الذي نزلت به، لأن الوكالات لم تلتزم بطريقة سليمة ومجزية بتوفير الطعام، إضافة إلى المعاناة التي وجدوها في رحلة العودة من خلال طائرات سودانير، حيث أنهم لم يجدوا حتى شخصاً يجيب عن استفساراتهم وأسئلتهم. { وكانت، حتى أمس الأول، هي أسئلة غاضبة وأحاديث ساخرة يحكيها الحجاج لذويهم، إلى أن استمعت وشاهدت من خلال شاشة النيل الأزرق، المؤتمر الصحفي الذي عقدته الهيئة العامة للحج والعمرة، برئاسة رئيس بعثة الحج لهذا العام، وهو في رأيي جاء مستفزاً، لكل ما ورد فيه، حيث أنه صوّر رحلة الحج هذا العام وكأنها وردية الألوان، وكعادة معظم - إن لم يكن كل - المسؤولين السودانيين، لم يعترف بتقصير واحد أو خطأ وقعت فيه البعثة، لكأنّ هؤلاء الحجاج (اتسلبطوا) على البعثة ورموها بما ليس فيها، ولعلَّ واحدة من المضحكات أن السيد رئيس البعثة تباهى بأن عدد الوفيات تناقص هذا العام بين الحجاج بسبب أداء البعثة الطبيّة! فهل إن تضاعف العدد ارتفاعاً العام القادم.. هل أنتم مستعدون للمحاسبة والمساءلة؟ ولعلي قد اندهشت للسكة التي أدخلنا فيها رئيس البعثة باتهامه أحد نواب البرلمان بأنه كان قد تقدم بطلب مالي للهيئة، ولما رفضته قال فيها ما قال، فلماذا لايفصح السيد رئيس البعثة عن طبيعة الطلب، ولماذا رفض، وهل هناك غيره يتقدم بطلبات ويُوافق عليها!! { على فكرة استوقفتني عبارة ذكرها السيد رئيس بعثة الحج (أنه يطالب المجلس الوطني بإيقاف كل الذين يتحدثون باسم البرلمان، الذين ليسوا هم لسان حاله بأي حال من الأحوال)، وهي عبارة فيها ما فيها، تحتاج إلى التوضيح، إن كان من العضو المحترم أو اللجان المختصة بالمجلس الوطني، لأنه ده كلام خطير أوي، وللا أيه يارجّاله!! { على فكرة أنا دائماً أتساءل، وهو سؤال أنتظر الإجابة عليه من أهل الفتوى والرأي: ما جدوى أن يُقسم الحج إلى فاخر وعادي؟، وواحدة من حكم الحج إلى بيت الله الحرام أن يشعر الناس بأنهم سواسيه كأسنان المشط، في تشبيه بليغ ليوم القيامة، حيث لا تنفع درجة وظيفية ولا شهادة علمية ولا أرصدة في البنوك لاحتلال المقاعد الأمامية التي لا يجلس عليها إلا من استعد لهذا اليوم العظيم بالتقوى والإيمان والعمل الصالح. ألا يعتبر في هذا تفريغاً لواحد من أهم مقاصد وحكم هذه الفريضة المهمة؟. { في كل الأحوال إن الشكوى والغضب الذي عاد به الحجاج السودانيون هذا العام يجب أن لا يمر وينتهي بحدود عقد الهيئة مؤتمراً صحفياً ظهرت من خلاله بمنتهى الكمال والجمال، في تناقض ظاهر مع أقوال الحجاج، بل يجب أن يطرح الأمر برمته داخل قبة البرلمان، باعتبار أن أعضائه هم ممثلون لهؤلاء الغاضبين، وأنا بالتأكيد أقصد أن نسمع صوت البرلمانيين الذين إمَّا استمعوا إلى ممثليهم أو أنهم كانوا متواجدين هناك وشهدوا الحدث على أرض الواقع وسينقلون الحقائق كاملة، وأرجو أن يكون هؤلاء قد حجوا على نفقتهم الخاصة وليس بطلبات مالية أو مِلِح حتى نعرف أين الحقيقة! { كلمة عزيزة ظهرت مغنية إعلان العدس على قناة زول وهي تتراقص وتتلوّى بطريقة غريبة وجديدة على المغنيات السودانيات بمختلف درجاتهن. من يوقف هذا العبث وهذه الفوضى؟ { كلمة أعز نعم ألقمني أمس برنامج الصباح الجديد حجراً.. غداً سأخبركم كيف؟