لسنا عنصريين، والعكس هو الصحيح، فنحن من أكثر الناس اقتناعاً بأن أصل الجنس البشري واحد وأنه لا فضل لأحد على آخر بحكم لونه، لغته أو عرقه وأن حكاية شعب الله المختار مختلقة وليست تملك أي دليل يعتد به ومثلها مسألة تفوق الجنس الآري التي روّج لها النازيون أيام أدولف هتلر الذي زجّ بألمانيا في حرب طاحنة قضت على الأخضر واليابس ودمرت بلاده وأوروبا وفقد جراءها حياته منتحراً في عام 1945م. لكننا نلاحظ للأسف أن بعض المتحدثين باسم بعض مكوّنات الشعب السوداني يتحدثون عن أحد مكاوناته الأخرى حديثاً باطلاً فيه قدر كبير من الافتئات على الحقيقة وعلى التاريخ فذلك المكوّن المفترى عليه وهو المكوّن العربي ليس ثانوياً وليكن أنه أصلاً جاء من الخارج فذلك تاريخ قديم ثم أن مكونات أخرى من مكونات الشعب السوداني قدمت من الخارج لكن ذلك لا يقدح في وطنية أي منها ولا في أصالة انتمائه إلى الوطن ولا يقتصر الأمر على السودان فكل الأوطان عرفت مثل هذه الهجرات. لقد أصبح المكوِّن العربي من صميم التركيبة الوطنية السودانية المعاصرة.. وقد استطاع من خلال جاذبية الإسلام وعقلانيته ويسره وتسامحه واتساعه لكل الأجناس ومن خلال اللغة الجميلة القادرة على استيعاب معارف العصر أن يصبح مكوِّناً لا غني عنه في التركيبة السودانية الحالية. وكان ذلك صحيحاً قبل تقسيم السودان إلى دولتين تُدار إحداهما من الخرطوم والأخرى من جوبا ومازال صحيحاً بعد التقسيم. ونقول ذلك ونحن من الناحية العرقية لسنا عرباً لكننا نوبيون لنا لغتنا العريقة التي كان يتحدث بها الشعب هنا في السودان الشمالي في العصور القديمة وكانت هي لغة الدولة والحضارة التي أقامتها تلك الدولة وكانت إحدى الحضارات التي أقامتها تلك الدولة وكانت إحدى الحضارات المعدودة منذ بداية التاريخ المكتوب - لكن اللغة العربية تأتي في مقدمة العوامل التي تحفظ تماسك السودان ووحدته تماماً كما هو الحال في الأقطار العربية الأخرى التي توجد بها لغات إلى جانب اللغة العربية مثل المغرب والجزائر. إن اعتزازنا باللغة النوبية راسخ لكننا نعرف أن الأقدر على الانتشار هي اللغة العربية. والناطقون بغير العربية يتعلمون العربية من تلقاء أنفسهم لأسباب عملية ويندر أن يفكر أي منهم في تعلُّم لغة أخرى من اللغات المحلية السودانية. واللغة العربية عامل مهم من عوامل الوحدة الوطنية والمزيد من انتشارها يعني المزيد من ترسيخ هذه الوحدة، وهي تنتشر برغبة الناطقين بغيرها في تعلُّمها وليس بفرضها من قِبل الحكومة أو المكوِّن العربي داخل السودان. أما إذا لم تكن وحدة السودان هي مبتغانا وأهم ثوابتنا فإنه يغدو منطقياً أن تشرع كل قبيلة وكل مكوّن من مكوّنات الشعب السوداني في إحياء لغته وفي الدعوة للتخاطب بها في الإذاعة والتلفزيون وفي الكتابة بها في الصحف والتدريس في المدارس والجامعات والغناء بها في الحفلات والمسارح مع ملاحظة أننا بوحدة السودان نعني منذ 9 يوليو الماضي وحدة السودان الشمالي.