قبل 20 عاماً زار مستثمر مصري بلادنا، وعندما غادر المطار متجهاً إلى الفندق داخل مدينة الخرطوم سأل مستقبليه: هل هذه عاصمتكم؟ إن العمارات فيها بعدد أصابع اليد!! هذا المستثمر إن أتى اليوم إلى الخرطوم فسوف يتساءل: هل هذه عاصمتكم؟ فالعمارات الشاهقة فيها بالمئات لكن الشوارع الصالحة للسير بعدد أصابع اليد!! بالفعل فكثير من الإخوة الزائرين للخرطوم من مصر والسعودية ودول الخليج أشادوا بمستوى المعمار الذي شاهدوه في العديد من المواقع بالخرطوم، بل قالوا إن بعضها يضاهي المعمار الموجود في مصر والسعودية ودول الخليج، لكن للأسف فإن الطفرة المعمارية البائنة للعيان لم تواكبها مطلقاً أية مجهودات توازن بين العمارات الشاهقة والشوارع الهابطة في التراب والوحل وهذا الأمر أصبح واقعاً مماثلاً تعيشه عواصم الأقاليم أيضاً!! الخرطوم باعتبارها عاصمة البلاد تحتاج إلى خطة إسعافية عاجلة للارتقاء بمستوى سفلتة ورصف الشوارع الرئيسية والفرعية باتباع أحدث المواصفات العالمية وتنظيم حركة السير ووضع المزيد من إشارات المرور في كافة التقاطعات، خاصة وأن أعداد السيارات في العاصمة تزداد شهرياً بمعدلات تدخل الخوف في نفوس السائقين والراجلين معاً، إضافة إلى آلاف الركشات التي تزاحم الجميع في هذه الشوارع المهترئة المغبرة طوال العام والموحلة في فصل الخريف وهي في الأساس غير مخططة تخطيطاً عصرياً يتماشى مع مستوى المعمار الذي شهده الأشقاء الزائرون لبلادنا وأشادوا بالنماذج البارعة فيه. المؤلم والمحبط في العاصمة الخرطوم أنك ترفع رأسك مستمتعاً بروعة المعمار في العمارات الشاهقة ومتابعاً للإبداعات الهندسية فتظن نفسك وصلت إلى الثريا وحينما يرتد طرفك إلى الثرى تجد قدميك غائصتين في تراب وأوحال هذه الشوارع البدائية!! وأوضاع الطرق والشوارع في العاصمة الخرطوم هي هكذا لا تسر العدو ولا الصديق، رغم العمران العقاري المتجدد باستمرار والذي يلفت أنظار المواطنين والمقيمين والزوار، فلا بد إذن من وقفة جادة من كل من: هيئة الطرق والكباري والجسور التي نال مسؤولها الأول وسام الإنجاز في العام الماضي، حكومة ولاية الخرطوم، وزارة التخطيط والتنمية العمرانية بولاية الخرطوم، وزارة النقل والمواصلات، والإدارة العامة للمرور، خاصة وأن هذه الأوضاع المتردية للطرق والشوارع الرئيسية والفرعية لا بد لها من معالجة إسعافية فورية، فالكثافة السكانية المتزايدة بفعل الهجرة من الريف إلى العاصمة والكثافة المرورية الرهيبة في كل الأوقات والشوارع الضيقة والهرمة والهابطة والمتربة والمغبرة والموحلة كلها اجتمعت في العاصمة الخرطوم لتجعل حياة سكانها أصنافاً وليس صنفاً واحداً من العذاب!!