{ أخيراً.. رحل «القذافي» إلى مليك مقتدر، عنده يكون الحساب، وبين سماواته تمتد الرحمة، وتنبسط العدالة.. { هناك في الحياة الآخرة، سيجد «القذافي» حسابه على أخطائه، بل جرائمه التي ارتكبها على مدى (42) عاماً بحق شعبه في ليبيا، وشعوب أخرى في أفريقيا، والعالم العربي، وأوروبا، وحتى أمريكا (ضحايا لوكربي)..! { امتدت يدا «القذافي» الآثمتان إلى السودان، فكان أول داعم بالمال والسلاح لتمرد «جون قرنق دي مبيور» في جنوب السودان عام 1983، وامتد دعمه وتحريضه إلى زمن «سلفاكير ميارديت» الذي قال في العام (2010) عقب زيارته إلى «طرابلس» إن «القذافي» استدعاه عند الثالثة صباحاً ليقول له: (إذا أردتم الانفصال، فلا تخشوا شيئاً، نحن سنقف معكم)!! هكذا قالها «سلفاكير» في خطاب جماهيري في باحة الكنيسة بجوبا..!! { و«القذافي» هو الداعم الأول، والأساسي لحركات التمرد في (دارفور)، ابتداءً من حركة تحرير السودان الموحدة (عبد الواحد - مناوي) وإلى حركة العدل والمساواة التي خرجت قبل أسابيع من ليبيا باتجاه حدود السودان وتشاد في قافلة سيارات محملة بالذهب و«الدولار».. والسلاح..!! { كان (مجنوناً)، تماماً كما قال الرئيس المصري الراحل «أنور السادات»، ومواقفه وتصرفاته في اجتماعات القمم العربية والأفريقية كشفت بوضوح حالة (عدم التوازن) في عقلية ونفسية «القذافي»، وقد شهدتُ بأم عيني، أحد مشاهد (هرجلة) العقيد، وخروجه (اللا إرادي) عن النص في مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي في يناير عام 2010م بأديس أبابا، عندما أصرّ العقيد على دخول عدد من (المهرجين) و(المشعوذين) إلى داخل قاعة القمة وهم يرتدون أزياء غريبة على الحفل الأفريقي، باعتبارهم (ملوك أفريقيا)!! بدت علامات الاستياء واضحة على وجوه الرؤساء الأفارقة، خاصة الرئيس المُضيف «مليس زيناوي»، «فالقذافي» كان يهزأ بهم، ولسان حاله يقول: (أنتم لستم رؤساء ولا ملوكاً، بل الملوك الحقيقيون هم هؤلاء (المشعوذون)!! وتحت ضغط «القذافي» تحدث أحد (الملوك) المزيفين، وأخذ يُسرف في الثناء ويعدد مآثر، ويحكي عن كرم «ملك ملوك أفريقيا» معمر أبو منيار..!! { أذاق «القذافي» شعبه صنوفاً من التعذيب، عندما جعل ليبيا سجناً كبيراً، لا رأي فيها لأحد، ولا حزب، ولا جماعة، غير لجانه الثورية، ولا كتاب يُقرأ فيها غير كتابه الأخضر، ونظريته العالمية الوهمية. { لقد كنا نعلم حجم تآمر «القذافي» على السودان منذ غزو العاصمة في يوليو 1976، وحتى غزو «أم درمان» في مايو 2008م، ولهذا استهدفنا تعرية نظامه عبر صفحات (الأهرام اليوم) طوال العامين المنصرمين، ونشرنا كتاباً بعنوان (أوراق الموساد المفقودة) تأليف ضابط المخابرات الأمريكي «جاك تايلور» وفيه معلومات عن تجنيد جهاز «الموساد» الإسرائيلي للقذافي منذ أيام دراسته بجامعة «بنغازي» عن طريق مدرس إيطالي (يهودي الأصل)، باعتبار أن جدة «القذافي» من ناحية والدته يعود أصلها إلى عائلة يهودية مشهورة في مدينة (مصراتة)، ثم اكتملت عملية تعاون «القذافي» مع إسرائيل عن طريق مستشار النمسا «برونو كرايسكي»..!! { كتاب (أوراق الموساد المفقودة) يشير إلى خدمات القذافي (السرية) لدولة الكيان الصهيوني في محور إثارة الصراع بين الدول العربية، وهذا ما كان يفعله «العقيد» بالضبط حتى آخر أيامه. { شخصياً، لم أكن يوماً مقتنعاً، وقبل اطّلاعي على هذا الكتاب بأن «القذافي» كان خصماً (حقيقياً) لأوروبا وأمريكا، فماذا فعل من خير للسودان، ومصر والسعودية والمغرب، ولبنان، وفلسطين غير خدمة الأهداف الصهيونية؟.. ولا أدلّ على ذلك من دوره في إشعال الحرب في جنوب السودان، وفي إقليم دارفور. { رحل «القذافي» إلى الله.. وحسابه عنده.. نسأل الله له الرحمة والمغفرة، فإن الله غفار رحيم، ولكن غيابه - في كل الأحوال - عن مقعد القيادة في ليبيا فيه خير كثير للأمة العربية والإسلامية. { مات القذافي وبلادنا تحتفل غداً بالذكرى (47) لثورة اكتوبر المجيدة..كل عام والسودان بخير وشعبه ثائر ومتحرر.