{ توصيف السفير البريطاني لإمكانية توصل السودان وجنوب السودان لاتفاق بأنه يكمن في عقل وقلب البشير وسلفاكير، هو في الحقيقة توصيف دقيق وسليم، ولكن نتساءل: من يمنع قلبي وعقلي البشير وسلفاكير من إنزال ذلك على أرض الواقع؟ والإجابة تشمل جهات عدة من بينها السفير البريطاني نفسه الذي ظل يلعب دوراً سالباً ولم يكن أميناً أبداً في أدائه تجاه القضايا العالقة بين البلدين وتجاه قضايا السودان الأخرى، وقد وصل به الحال إلى حد الكتابة في مدونته وهو يتدخل في الشؤون الداخلية للسودان مخالفاً بذلك كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية التي لم يسبقه عليها أحد من الدبلوماسيين الذين تعاقبوا على السودان. { قدم السفير البريطاني (نيكولاس كاي) إلى السودان ممثلا لبلاده في مايو من العام 2010م وقد ظل طيلة هذه الفترة مثار شد وجذب بينه وبين الخارجية السودانية، وذلك بسبب الأخطاء الكبيرة التي يقترفها الرجل بحق السودان وهو يكتب في مدونته ويصرّح دون أن تكون لتصريحاته وكتاباته حدود مرعية وفق الأعراف الدبلوماسية، وقد استهل كتاباته السالبة عن السودان ومتدخلاً في شؤونه الداخلية في أغسطس من العام 2010م وهو لم يكمل الثلاثة أشهر في السودان، مما يفسر أن الرجل قدم في هذه الفترة الحرجة من عمر السودان ليعلب دوراً معيناً والبلاد مقبلة على الانتخابات العامة والاستفتاء على مصير جنوب السودان من بعد ذلك، ويبدو أن السيد السفير البريطاني في عجلة من أمره لتنفيذ الأجندة التي قدم من أجلها مما استدعاه ليستعين بالكتابة في مدونته ليكمل مهامه الدبلوماسية حين عجزت أدواته الدبلوماسية عن تحقيق ما يستعجله. { السفير البريطاني يكتب في مدونته أن البلاد مهددة بالمجاعة، وهو لم يكتب ذلك عن جنوب السودان وهو الأكثر بؤساً والمجاعة تضرب كافة أرجائه، ويكتب الرجل عن تراجع قيمة الجنيه السوداني وعن الحكومة ذات القاعدة العريضة وعن حوجة السودان لمدير تسويق ليدير له عجلة اقتصاده، ويكتب عن خمسة ملايين في السودان يحتاجون للطعام وغير ذلك الكثير الذي لا تقره القوانين التي تنظم العمل الدبلوماسي، ولكثرة ما يكتبه السفير البريطاني يخيل إليك أنه صحفي أو مراسل لإحدى الصحف البريطانية أوالإسرائيلية، وكان في كل مرة تستدعيه وزارة الخارجية السودانية يتأسف ويدعي أنه لا يقصد ذلك وأنه لا يكرر ذلك، ثم يعود ويكتب مرة ثانية وثالثة، ويبدو هنا أنه متنازع ما بين التزامه للخارجية السودانية ورغبته في الكتابة وخدمة أجندته. { بعد كل هذا الذي يكتبه السفير البريطاني هل من المنطق أن يأتي ويقدم تلك الوصفة ويقول إن حل المشاكل بين البلدين هي في قلب وعقل البشير وسلفاكير، وهل هو بالذات ترك هذه القلوب وتلك العقول التي يشير عليها لتعمل وتنجز حلولاً للمشاكل والقضايا العالقة بين البلدين، وهل تركوا سلفاكير عندما اتجه بكلياته نحو السلام والجدية في علاج هذه القضايا وأزاح باقان أموم وزمرته بعد أن اكتشف أن باقان يخدم أجندة أخرى ويفسد كل بارقة أمل للوصول الى حلول، ولكن حدث العكس وهم يضغطون على سلفاكير لإعادة باقان الى منصبه ويترك له العنان ليتصرف في مصير الجنوب، ومن يومها تتصاعد المشاكل بين البلدين وتصرف الجميع عن القضايا العالقة الي مشاكل أخرى تتصل بالتدخل في شؤون الآخر. { من المؤكد أن سلفاكير لا يرغب في الأوضاع التي وصلت إليها العلاقة بين بلده والسودان، وذات الرغبة من المؤكد أنها تتوفر لدى الرئيس البشير وهو قد عمل لها منذ أن بدأت تظهر نتائج الاستفتاء وترجح كفة الانفصال على كفة الوحدة، وقد عبر عن ذلك في خطابه الشهير الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية ووجد ثناءً من الأسرة الدولية وعلى ذات النسق كان خطابه في احتفال حكومة جنوب السودان بدولتها الجديدة، ولم يكن سلفاكير بذات المسؤولية التي كان عليها البشير وهو يرسل إشارات سالبة للمناطق التي تشهد تمرداً وتوتراً في الشمال وهو يقول لهم (لن ننساكم) وهي كلمة مكتوبة ربما نصيبه منها أنه فقط قرأها. { الآن المطروح من الآليات لإيجاد حلول للقضايا العالقة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي يترأسها ثابو أمبيكي الرئيس السابق لجنوب أفريقيا، وبالرغم من أن الرجل لم ينجح في مهمته ما زال الجميع ينتظرونه، وهذا لعمري ليس في مصلحة السودان ولا مصلحة جنوب السودان المغرر به، ولذلك من الأجدى أن تتحرك الحكومة السودانية الى خيارات أخرى لعلها تحرر جنوب السودان من هذا الشرك الدولي الذي يحاصره لا سيما وللرئيس البشير في ذلك تجارب حينما خرج بالعلاقة بين السودان وتشاد من حالة العداء الى التعاون الشامل، ولهذا ننتظر حلولا أخرى غير هذه الآلية الأفريقية العقيمة.