{ مشهد الطواف حول (الكعبة) يظل مهيباً، ومزيجاً من الرهبة.. والخشوع.. والوجل..! إنها المرة الثالثة بالنسبة لي، غير أنها بدت مختلفة، ربما لاختلاف الزمن، وربما لتقدم العُمر، وتعمُّق النظر، وربما لأننا بلغنا بيت الله الحرام في آخر يوم من شهر ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم (ربيع الأول)..! { على كلٍ، هو مشهد مهيب، تنسى فيه ما جرى عليه لسانك من دعاء لسنوات طوال، تظل تكبِّر، وتهلِّل، وتدعو متمتماً، وجلاً مضطرباً وقلبك يخفق داعياً الله على طريقته، مع كل نبضة، وخفقة.. ودمعة.. وتوبة.. وحُب..!! سبحانك الله وبحمدك.. { أما الحرم النبوي في مدينة المصطفى، فشأنه آخر، الساحات تمتد حوله، مئات آلاف من الأمتار، وعشرات الأبواب، ومئات (المظلات) المضيئة التي تظلل المصلين والمتعبدين في صحن المسجد على هيئة (شمسيات) ضخمة، تنفتح نهاراً، وتغلق إلكترونياً عند المغيب..!! أكثر من (400) ألف متر مربع هي مساحة المسجد النبوي الشريف والساحات المحيطة بها بنهاية آخر توسعة له، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك «عبد الله بن عبد العزيز» وقبلها كانت توسعة الملك «فهد» وتوسعة الملك المؤسس «عبد العزيز آل سعود». { الآسيويون يشكلون غالبية المعتمرين إلى بيت الله، والزائرين إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الباكستانيون، والهنود، والأندونسيون والأفغان، هم (حزب الأكثرية) في برلمان الخضوع إلى الله..!! { العرب هنا أقلية..!! فهم مشغولون بثورات (الربيع).. و(التحرير).. ومحاكمات الرؤساء..!! { طفلان وسيمان هادئان في حوالي الخامسة والسادسة من عمريهما وقفا بأدب وخشوع غريب إلى جوار أبيهما الشاب لأداء صلاة الفجر في المسجد النبوي الشريف، لم يتحركا من مكانهما، أو يصدرا أصواتاً، وجلبة، كما يفعل أطفالنا في مساجد السودان!! وعلى صدريهما تدلت بطاقتان تعرفان بالهوية، مخافة أن يضيعا وسط الزحام عقب الصلاة، سألتُ والدهما: من أي بلدٍ؟ فقال بالإنجليزية «نحن من أندونيسيا»..!! إنهم الغرباء..! يا سبحان الله. { الآسيويون الذين لا يتحدثون العربية، ويشقون في قراءة المصحف، يتسابقون بالملايين صغاراً، وكهولاً وشيوخاً، ونساءً في أرذل العمر إلى الحرمين الشريفين.. والفصحاء الأقحاح يتثاقلون..!! لكنه الإيمان الذي لا لسان له.. ولا جنسية!! { تقبَّل الله منا.. ومنكم صالح الأعمال.