انطلقت أمس الأول «الأحد» فعلياً الانتخابات السودانية العامة 11 أبريل 2010م، ويُعد تدافع الآلاف نحو مراكز الاقتراع في الساعات الأولى من الصباح والأخطاء الفنية التي شكا منها المواطنين على السواء ناخبين ومرشحين على مستوى القطر أبرز ما ميز اليوم الأول للديربي الديمقراطي الذي تأجل لثلاث مرات. وانحصرت الأخطاء في تبديل اوراق بعض المرشحين من مركز لآخر وخلط في رموز بعض الأحزاب بالاضافة إلى تأخر وصول البطاقات إلى عدد من المراكز بالعاصمة والولايات. الاخطاء الفنية دفعت المفوضية إلى استصدار قرار مددت بمقتضاه فترة الاقتراع إلى الخميس المقبل بدلاً عن الثلاثاء، وقالت في بيان لها أمس إنها تدرس امكانية زيادة عدد ساعات الاقتراع. ورأى د. صبحي فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم في حديثه ل(الأهرام اليوم) إن حدوث اخطاء فنية شيء متوقع بسبب ما أسماه تعدد بطاقات الاقتراع، وأوضح أن الناخب في الشمال عليه الاقتراع في «8» بطاقات و«12» بطاقة بالنسبة للناخب في جنوب السودان، وأكد أن عدد النقاط بلغ «16» ألف و «10» آلاف بالنسبة لمراكز الاقتراع. وقال فانوس إن شركة مطابع العملة كانت معنية بطباعة بطاقات رئاسة الجمهورية والولاة، وأن بقية البطاقات طُبعت ببريطانيا وجنوب افريقيا، وأشار إلى أن حدوث خطأ في هذه البطاقات ربما كان لخطأ في الطباعة أو أن تلك المطابع قد مُلّكت معلومات غير صحيحة. وبالرصد المباشر داخل عدد من لجان الاقتراع بمراكز ولاية الخرطوموالولايات تكشّف أن عملية الاقتراع نفسها ومنذ اليوم الأول شابتها أخطاء خلّفت أعداداً مقدرة من البطاقات التالفة تم ترحيلها إلى الصندوق الرابع «صندوق التالف». ولم ينجُ من تعقيدات عملية الاقتراع حتى رئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية، حينما أفسد بطاقة اقتراعه الأولى بعد أن وضعها في الصندوق غير المخصص لها. ولاحظت (الأهرام اليوم) في جولة شملت «20» مركزاً بولاية الخرطوم أن معظم مسؤولي الاقتراع بالمركز يتفادون تقديم النصح للناخبين من حيث شرح كيفية التصويت والصندوق المحدد لرمي البطاقة خاصة وأن هناك «3» صناديق تنتظر أن تستقبل «8» بطاقات في الشمال و «12» بطاقة في الجنوب. وأكد ممثل حزب المؤتمر الشعبي اسماعيل النور بمركز سان فرانسيس ل(الأهرام اليوم) أن إحدى مشاكل عملية الاقتراع تتمثل في عدم ثقافة الناخب وإلمامه، وأوضح أن من بين الناخبين من لا يميز بين البطاقات. إفادات لم تبتعد كثيراً عن اتهامات مجموعة من المراقبين المحليين لمركز الرجاء بالخرطوم بحري أحد المراكز المخصصة لتأهيل المراقبين بعدم ترتيب أية دورة تدريبية أو ورشة عمل حول تعريف المراقبين مهام أعمال المراقبة. وتساءلت المجموعة في حديثها ل(الأهرام اليوم) عن شكل العلاقة التي تربط مركز الرجاء بالمفوضية القومية للانتخابات، وأشاروا إلى أن مسؤولي المركز تركوا مسألة المراقبة مفتوحة إلى حين تلقى المركز رسالة من المفوضية تحدد فيها مراكز توزيع المراقبين. ومن جانب آخر يلاحظ أن هناك تبايناً واضحاً في المدة التي يستغرقها الناخب في عملية الاقتراع، وبسؤال «100» عينة عشوائية من الناخبين في عدد من مراكز الاقتراع بالخرطوم كانت الحصيلة أن الزمن الذي يحتاجه الناخب للاقتراع يتراوح ما بين ال(5 - 15) دقيقة. واستغرق رئيس الجمهورية عمر البشير مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة «7» دقائق و«10» ثوانٍ للإدلاء بصوته داخل صناديق الاقتراع بمركز القديس سان فرانسيس أول أيام الاقتراع، ورمت حرمه السيدة فاطمة خالد بطاقاتها بنفس المركز في «10» دقائق و«35» ثانية، فيما استغرق وزير الدفاع الفريق أول ركن طيار عبد الرحيم أحمد حسين «6» دقائق و«21» ثانية. ولكن سعاد المقبول إحدى الناخبات بددت «14» دقيقة و«3» ثوانٍ زمناً للإدلاء بصوتها، وأوضحت أنها اضطرت للوقوف أكثر من ساعة خارجاً في انتظار دورها. وقال آدم إسماعيل ناخب بالدائرة الحاج يوسف الوحدة شرق إنه انتظر لحوالى الساعتين لرمي بطاقاته. إذاً جملة من الإفادات والشواهد استغلتها القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتوجيه سهام انتقاداتها للمفوضية القومية للانتخابات جهرةً وتصريحاً بنيّة حزب المؤتمر الوطني في تزوير نتائج العملية. وقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي إن التقارير الواردة من كل الولايات تشير إلى وجود مخالفات وارتباك واسع في عملية الاقتراع وأن بعض مما أسماها بالقوات الموالية للمؤتمر الوطني بدارفور تدخلت لصالح الوطني، وقال: «هذه العملية لن تكون كاملة ولا مثالية لكن نرضى بها كمبتدأ». أما الحركة الشعبية فقد أشارت إلى وجود تجاوزات، وطالبت بتمديد عملية الاقتراع لأربعة أيام إضافية. حزمة من الأخطاء والتجاوزات دفعت المفوضية إلى استصدار قرار بالتمديد ل«48» ساعة. وكانت المفوضية قد أعطت نفسها حوالى ال«3» أشهر مهلة لاستمرار العملية الانتخابية قالت بذلك صلاحيات بطاقات الاعتماد التي مُنحت للإعلاميين والمحددة من «4» أبريل وحتى الأول من يوليو المقبل، وحظرت نفس الجهة صلاحية بطاقات المراقبين المحليين ما بعد الثامن عشر من أبريل الجاري. اتجاه يؤكد أن مفوضية الانتخابات استعدت لأسوأ الاحتمالات التي يُعد (التمديد) لأيام قلائل أخفها وزناً في ميزان القوى السياسية المعارضة التي طالبت في مؤتمر صحفي عقدته أمس بدار الحزب الشيوعي بإلغاء العملية جملةً وتفصيلاً. «ارتباك» و«هرجلة» و«أخطاء فنية» كلمات تصدّرت صفحات صحف الخرطوم وتبادلتها الفضائيات والوكالات خاصة الدولية منها، ساقت الانتخابات السودانية نحو حافة التمديد بدلاً عن الإلغاء، في وقت أشارت فيه تصريحات المراقبين الذين انتشروا على طول وعرض المراكز حتى مساء أمس الاثنين إلى أن العملية تسير بشكل «سلس» رغم ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي حلّ ضيفاً على الخرطوم قبيل انطلاقة الانتخابات بيوم، بأن هناك بعض المعوقات الصغيرة شابت العملية وأنه مازال أمام المفوضية «3» أيام لتلافي تلك الأخطاء. إذاً، إفادات الرئيس الأمريكي الأسبق أعطت الضوء الأخضر للاستمرار في العملية رغم رفضها من قبل أحزاب المعارضة السودانية المقاطعة للانتخابات والمشاركة فيها. فمرشح الرئاسة عن الحزب الاتحادي الأصل حاتم السر قال في مؤتمر صحفي أمس الأحد أُعلن فيه انسحاب «7» من المرشحين من الديربي الانتخابي بينهم «3» من رؤساء تحرير صحف سياسية، قال: «ما شهدناه من ربكة وفوضى لا يمكن الوصول فيه لانتخابات نزيهة»، معلناً تضامنه مع المنسحبين. وبدا مرشح الحزب الاتحادي الأصل للرئاسة رافضاً لمسألة التمديد، وطالب بإلغاء كافة إجراءات العملية الانتخابية، وقال: «هي جريمة وطنية وأن كل من يشارك فيها يشارك في جريمة وطنية». ولكن ثمة سؤال يتدلّى بعنقه من نافذة المتناقضات: هل تستطيع المفوضية القومية للانتخابات في «48» ساعة تلافي الإجراءات الفنية الخاطئة والربكة والهرجلة التي صاحبتها؟ وتعيد العشرات ممن ترجلوا من على صهوة السباق الانتخابي بعد أن زهدوا في نتيجة نزيهة من انتخابات تُبدّل فيها البطاقات وتُسقط فيها الآلاف من الأسماء سهواً وتستخرج شهادات السكن لها من خيام المؤتمر الوطني التي انتصبت قبالة معظم مراكز الاقتراع..؟! وسؤال أخير: كيف ستعيد مفوضية الانتخابات الآلاف من الناخبين جاءوا من كل فج عميق إلى صناديق الاقتراع بعد أن تلوثت أصابعهم «السبابة» بحبر أزرق دون أن يجدوا صورة أو رمز من أرادوا ترشيحه في بطاقات الاقتراع..؟!! أم أن مفوضية الانتخابات ستحرر شيكات بقيمة المبالغ التي صرفها الناخبون والمرشحون على السواء في حملاتهم الانتخابية التي أجهضتها أخطاء المفوضية البائنة..؟!!