تلقّى بشير البكري وأحمد السيد حمد وعقيل أحمد عقيل وأحمد الطيب عبدون ومحيي الدين صابر تعليمهم الجامعي بمصر.. والثانوي أيضاً.. وكانوا طلبة متفوقين.. ووطنيين منذ البداية يبغضون الاستعمار البريطاني ويهتفون لوحدة وادي النيل وكانوا مقتنعين بأن السودان ومصر بلد واحد ولم يكن هذا الاقتناع قاصراً عليهم وحدهم لكنه كان في ذلك الوقت من الأربعينات يشمل كل المصريين تقريباً وأعداداً مقدرة من السودانين. ويقول أحمد سليمان المحامي في كتابه (مشيناها خُطى كُتبت علينا) إن هذه المجموعة كان يُطلق عليها اسم جماعة البرير.. فقد التفوا حول رجل الأعمال السوداني المقيم بمصر علي البرير وكان يرعاهم ويؤازرهم. ولأنهم كانوا طلبة نابهين فقد ابتعثتهم الحكومة المصرية إلى فرنسا لنيل درجة الدكتوراة.. ثم عادوا أول الخمسينات إلى السودان يحملون الشهادة الرفيعة.. وكانت شهادات الدكتوراة في ذلك الوقت قليلة وعزيزة وقيّمة.. وانخرطوا في العمل الوطني من خلال الحركة الاتحادية وكتبوا في صحفها ومنها صحيفة «الحكم».. وكان الصحفي الكبير الأستاذ علي حامد يسميهم دكاترة الحكم. لقد كانوا يجيدون الكتابة والخطابة معاً وكان لهم إسهامهم في الفوز الكبير الذي حققه الحزب الوطني الاتحادي في انتخابات الحكم الذاتي في نوفمبر 1953م. لقد كانوا في منتهى الرقي والتحضر والأناقة ولم تكن أناقتهم قاصر على أزيائهم وشكلهم العام لكنها امتدت لتشمل طريقة كلامهم.. وضحكاتهم وسائر تصرفاتهم. وتقلد ثلاثة منهم الوزارة أكثر من مرة وهم أحمد السيد حمد ومحيي الدين صابر وكان أحمد الطيب وزيراً مرة واحدة في حكومة بابكر عوض الله. ومن الغريب أن الدكتورين عقيل وبشير البكري لم يكونا قط وزيرين. لكن الدكتور عقيل يُقال عُرضت عليه رئاسة مجلس الوزراء بعد انتصار ثورة أكتوبر 1964م ورفضها وقد عمل فترة وجيزة بوزارة الخارجية عند تأسيسها بعد الاستقلال ثم احترف المحاماة وأصبح نقيباً للمحامين وكان أسبقهم إلى الارتحال عن الدنيا وكان ذلك عام 1974م. والتحق الدكتور بشير البكري بوزارة الخارجية عند تأسيسها وأصبح سفيراً في عدة دول منها فرنسا. ولقد خدموا وطنهم في كل المناصب التي أُسندت لهم.. في السودان.. وفي الجامعة العربية ومؤسساتها.. وفي الأممالمتحدة.. وكانوا جميعاً سياسيين لكن الدكتور أحمد السيد حمد كان أكثرهم انغماساً في السياسة ولذلك فأنه كان أكثرهم شهرة ومعاناة.. فقد كان هو الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي عام 67 وكان الرئيس هو الزعيم الأزهري.. ثم ارتحل إلى رحاب الله الثلاثاء الماضي الدكتور بشير البكري. رحم الله الدكتور بشير البكري وزملاء عمره الذين سبقوه الدكاترة أحمد السيد حمد وأحمد الطيب عبدون وعقيل أحمد عقيل ومحيي الدين صابر.