{ جلست إليه مبهورة بحضوره الطاغي في قلبها، لا تصدق أنه قد دعاها أخيراً إلى مكان شاعري وجميل كهذا، فطوال عمر علاقتهما الطويل، تفتقر هي إلى هذا الإحساس المفعم بالرومانسية، ولكنها دائماً ما تحاول أن تجد له الأعذار، فطبيعة عمله الدؤوب، وطبيعته هو الأكثر عملية؛ لا تسمحان بمثل هذه الخلوة كثيراً، ولكن المهم أنه قرر أخيراً أن يستقطع لها هذا الوقت الخاص. قرر أن يكون مرهفاً وحانياً، ربما لأنه شعر أنها بدأت تضيع من يديه مؤخراً، فتطيل الغياب ولا تتعمد ملاحقته عبر الهاتف، وعندما سألها عن سر تغيرها حدثته بأنها قررت أخيراً أن «تحترم نفسها» وتكف عن فرض حبها عليه قسراً. لن ينكر أنه ارتعب لمجرد الفكرة، فهو قد اعتاد عليها و«ضمنها» ولم يعتقد أنه يحتاج إلى مجهود كبير ليستبقيها عند قدميه، تحركت فطرته كرجل، فقرر أن يغير سياسته الذكورية معها قليلاً، ولأنه في الأصل «أرنب» يهوى المطاردة؛ قرر أن يستعيدها، فاصطحبها اليوم إلى هذا المكان الهادئ الجميل ليثبت لها كم هو حالم ورقيق، وقد اعتنى بكل التفاصيل التي ستؤكد على ذلك، فكان دافئاً في كلماته، متيقظاً لحركاته وسكناته، دائم الابتسام. سألته في غمرة الحديث والانسجام من بين ضحكاتها المجلجلة وعينيها المغرورقتين بدموع السعادة الغامرة سألته فجأة: { «ماذا تحب في هذه الحياة؟» سؤال يلح عليها كثيراً. أحب كاظم الساهر، تعجبي كثيراً أغنيته «يوميات رجل مهزوم» وتذكرني بك دائماً أغنيته «قولي أحبك». أحب أيضاً «نزار قباني» بكل أشعاره، أراك في كل القصائد والسطور وأنام ودواوينه على صدري لأنك فيها. «محاولة جيدة لإثبات الرومانسية». { حدثني أكثر، ماذا تحب أيضاً؟ أحب شوربة الدجاج، والسلطات بأنواعها، والمكرونة و(ملاح البطاطس) الذي تصنعه أمي والعصائر الطبيعية خصوصاً عصير البرتقال عند الصباح فلا تنسي ذلك. «على أساس أنها من ستعده له يوماً»! { وماذا أيضاً؟ اعتدل في جلسته ليعرفها على رغباته أكثر حتى تجتهد في خدمته، وقال: أحب الإحساس بالحرية ومرافقة أصدقائي من حين لآخر، ومشاهدة الأفلام الأجنبية حتى وقت متأخر، ودخول مباريات كرة القدم المهمة في الاستاد، وأستخدم الإنترنت لساعات طويلة خلال اليوم كما تعلمين، ولا أحب الثرثرة والأحاديث الممجوجة، ولا الإزعاج أثناء العمل، وأحب أن أنام طويلاً. { تنهدت بعمق واستندت على الكرسي وقالت: وماذا تحب أيضاً؟ أحب السفر، والصفقات التجارية الرابحة وبرنامج «من سيربح المليون» والسيارات الفارهة وأستمع كثيراً لشكر الله عز الدين في مسجل السيارة خصوصاً أغنية «الدمعة» وأغنية «ما بسألك» لأنني أعلم أنك تحبين هذه الأغاني بصوته وسأحرص على أن يحيي حفل زفافنا بإذن الله. { وماذا أيضاً.. حدثني أكثر؟ أحب الألوان العملية، البني والرمادي والأسود، وأستمتع بارتداء (الجلاليب) في المناسبات العامة، ولكن في ساعات العمل أفضل (الجينز) لأنه يلائم طبيعتي القلقة والمتحركة، وأحب العطور الباريسية النفاذة التي تترك أثراً ورائي في كل مكان، وأحب تدخين السجائر المستوردة لأنني أعتقد أنها أجود وأقل ضرراً، وأحب القهوة بالحليب لتقليل (الكافيين)، فأنا أكره كل ما يستعبدني كما تعلمين ولا أحب الرضوخ لأية سلطة حتى وإن كانت سلطة القهوة. ولكن (تعالي هنا) سألتيني عن كل ما أحبه، وأجبتك بمنتهى الدقة والوضوح فماذا عما تحبينه أنت؟ { ابتسمت بسخرية، أمعنت النظر إلى يديها المتشابكتين أمامها فوق المنضدة، رفعت رأسها إليه بعد برهة قصيرة، وقالت بصوت هامس حزين: «أحبك أنت»، وهذه هي الإجابة التي كنت أنتظرها منك تحديداً. أُسقط في يده، وأدرك أن كل ما بذله من جهد لإخراج هذا السيناريو الرومانسي المحكم قد ذهب أدراج الرياح، لأنه لم يتذكر أنها «امرأة» تفهم عبارات الحب أكثر مما تفهم المنطق ولو كانت عبارات الحب كاذبة، ويا للنساء. { تلويح: «المرأة تحب بقلبها وأذنيها، والرجل يحب بعقله ولسانه».