العنف الأسرى قضية ليست جديدة على المجتمع السوداني وبقية المجتمعات الأخرى، إذ رسخته مفاهيم مغلوطة بمجتمعنا السوداني نتيجة لطبيعية الأسرة السودانية التي تؤمن بترك المسكوت عنه. فجميع المشاكل والقضايا التي تواجها ونقابلها بالكتمان والتحفُّظ بغرض أن تسير المركب إلى بر الأمان. ولكن هذا الكتمان والتحفُّظ قد يصل إلى مرحلة الانفجار فتنتقل قضية العنف الأسري من بيت الزوجية إلى دور القضاء، «الأهرام اليوم» ناقشت هذه القضية «العنف الأسري» أسبابه ومسبباته مع عدد من الآباء والأمهات وعلماء النفس والإجتماع فإلى إفادتهم: أوضح المهندس محمود محمد أحمد (مصري مقيم بالسودان) أن العنف الأسري عادة غير مستحبه سواءٌ أكانت بالعقاب الجسدي أو اللفظي، إلا أن العقاب اللفظي أشد وطأة ويبقى أثره داخل الفرد، مما يساعد على تدمير نفسية المعاقب. واستطرد قائلاً إن هذا النوع من العقاب يعتبر سلبياً للغاية في أسلوب تربية الأبناء ويجب تحفيزهم إذا أجادوا وتوجيههم إذا أخطأوا، وأشار إلى أن هناك نوع آخر من العنف والعداء ينشأ بين الأبناء نتيجة لتمييز الأبوين لأحد الأبناء مما يؤدي ذلك لخلق فجوة بين الأبناء مع بعضهم البعض، وأكد أن العنف الأسري دائماً يكون من جهة الأب نتيجة للضغوط الاقتصادية التي تواجهه والغلاء العام في الأسعار بصورة عامة وضغوط العمل. كل تلك الأشياء يحملها معه إلى داخل المنزل ويصب جام غضبه لمن يخالفه أو لا يلبي له رغباته. وناشد المهندس محمود كل الآباء بالتفرقة بين ضغوط العمل والواجبات والالتزامات المنزلية، والعمل بالمثل القائل (ابنك إن كِبر خاويه). وأكدت مروة الفاضل أستاذة بالمرحلة الثانوية أن العنف موجود بين طيات المجتمع السوداني وبجميع اتجاهاته سواءٌ أكان من قبل الزوج تجاه زوجته، الأب تجاه أبنائه، الزوجة تجاه أبناء زوجها، والأبناء مع بعضهم البعض، وأشارت إلى أن هذا النوع من العنف ناتج عن البيئة التي ينشأ فيها الزوج ويحاول أن ينشئ أبناه على الأسس التي تربى عليها، مشيرة إلى أن هذا العنف يؤدي إلى مشكلات أخرى مثل التفكك الأسري وضعف الترابط بين الأب والأبناء وهذا بدوره يعود بنتائج سلبية يؤدي إلى إدمان المخدرات والتدخين وأحياناً ترك الدراسة. وشدّد الحاج إسماعيل أن هذه المشكلة موجودة على مر التاريخ وفي كل المجتمعات مسلمة كانت أو غيرها وأكد أن الأسرة السودانية بالرغم من هذا العنف الذي يعتريها وفي الغالب الأعم من الزوج إلا أنها تواري تلك الويلات إلى أن يأتي وقت لا تستطيع فيه الزوجة أو الأبناء القدرة على التحمل فيتحول من داخل بيت الأسرة إلى دور القضاء والمحاكم الشرعية. وأشار إلى أن العنف ليس مرضاً نفسياً أويحتاج لعلاج فهو ناتج عن البيئة التي تربى فيها الشخص سواءٌ أكانت بيئة صعبة تقوم على القاء الأوامر أو بيئة أصلاً عنيفة وكل تلك الأشياء تكوّن شخصية الشخص التي يتعامل بها فيما بعد في جميع مناحي الحياة المختلفة. وأوضح الأستاذ محمود زاكي الدين الباحث الإجتماعي أن العنف الأسري ينطوي تحت لوائه آثار سالبة على الأسرة إذ يدخلون في مآزق لا يخرجون منها، وأشار إلى أن بعض الآباء والأمهات يمارسون على أبنائهم العنف وبالمقابل بعض الأزواج يمارسونه مع زوجاتهم والعكس، وهذا بدوره يؤدي إلى زلزلة الأسرة وتصدُّعها. وأبان أن العنف بهذا الشكل في أحيان كثيرة مخبأ ومستتر وعندما يظهر على السطح تكون آثاره التشرذم والتفكك الأسري وضياع الأبناء وضياع الأسرة في مهب الريح، والحل يكمن في توفر (مكاتب الاستشارات الأسرية). وأكد أنه فيروس يستوطن كل أرض السودان وأن المحبة بين الناس هي أقوى مضاد للقضاء عليه.