٭ المولى عز وجل جمع الملائكة وطرح مسألة كانت جديدة عليهم، «إني جاعل في الأرض خليفة». سبحانك ربي تطرح الأمر للشورى وأنت الذي لا تُسأل عما تفعل..! الملائكة كان لهم رأي آخر، فقدموا أنفسهم منافسين لآدم عليه السلام، وكانت حجتهم «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك»..! كانت تلك الحجة التي اعتبرتها الملائكة دامغة في نظرهم، اعتمدت على أمرين الفساد وسفك الدماء، أي أن الفساد وما يتبعه من سفك دماء هو ما خشيت منه الملائكة..! لكن أمراً هامًا فات على الملائكة، اختبرهم فيه المولى عز وجل، فقبل أن ينزل آدم عليه السلام ليكون خليفة الله على الأرض، تم تزويده بكل المعلومات اللازمة لتلك الخلافة، وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم». ما هي هذه الأسماء التي عجزت عنها الملائكة..؟! إنها علوم الأرض التي أراد المولى عز وجل أن يستخلف آدم عليه السلام فيها، قد يقول قائل إن الأسماء هي الأشجار والجبال والأنهار وغيرها وهذه أسماء تعرفها الملائكة وآدم عليه السلام والجميع يعيش فيها في الجنة، والأرض في كل الأحوال لا يمكن مقارنتها بالجنة التي فيها يعيشون والتي تضم ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر، والأسماء أي علوم الأرض خص بها المولى عز وجل الإنسان في شخص آدم عليه السلام وذريته من بعده، وهو أمر لم يتعلمه الملائكة.. والله تعالى حين يبعث رسولاً يُوحي إليه ماذا يفعل ولا يتركه يتصرف من غير علم..! وهنا استسلم الملائكة بعد الحجة الآلهية الدامغة، ولكن مع تسليمهم للحجة الإلهية الدامغة، فإنهم حذروا من أمر واحد وهو الفساد وما يسفر عنه من آثام كسفك الدماء والظلم الذي حرمه الله على نفسه، فكيف به جل وعلا أن يرى من استخلفه على الأرض يفسد ويظلم..؟! وإذا حاولنا نقل الصورة التي تختلتها الملائكة الآن لوجدنا أن الإنسان حقاً كما وصفه المولى عز وجل «ظلومًا جهولاً»..! ننتظر بفارغ الصبر التشكيلة الوزارية التي كنا نرجو أن تقود البلاد وهي مبتورة نجد أنها لا تختلف عن سابقتها التي تسببت في الكوارث السياسية والاقتصادية للبلاد، حيث ينتقل ذات الأشخاص من منصب لآخر دون أن تكون له أدنى دراية أو علم بالمنصب الذي تولاه أو بالجديد الذي وضع فيه، وسارت البلاد في تخبط، الأمر الذي قاد إلى ما كانت تخشاه الملائكة..! أن يجوب شخص واحد عدة وزارات وعدة مناصب محورية في الدولة هو نوع من الفساد الإداري، وإذا كان آدم عليه السلام قد حباه الله بعلوم الأرض كلها فذلك لأنه كان وحيداً، أما الآن فقد توزعت تلك العلوم من شخص واحد إلى ذريته، فكان منهم المعلم والطبيب والمهندس والقاضي والتاجر والعالم، وأصبحت العلوم التي خص بها المولى عز وجل لآدم عليه السلام تخصصات، وأصبح المهندس خليفة في الأرض والطبيب كذلك والتاجر وغيرهم، حتى الخلافة على الأرض اصبحت تخصصاً، فعلم آدم تم توزيعه على ذريته من بعده، أخذ الاستخلاف مفهومًا تخصصياً ملزم به كل فرد من أفراد المجتمع، ولذلك قال المولى عز وجل في محكم التنزيل «وكلٌّ آتيه يوم القيادمة فرداً»..! ٭ الأمر المؤسف أن هذه المفاهيم غابت عن قيادة البلاد، فما عادت المعايير التي اختير بسببها آدم خليفة لله في الأرض تقوم بدورها في التشكيلات الوزارية والتي أشبه ما تكون بلعبة الكراسي! يعين الوزير أو المدير في المنصب دون أن تكون له أدنى فكرة عن علوم «أسماء» المنصب الذي يجلس عليه آمراً وناهيًا ومتحكمًا في شؤون البلاد والعباد! وما نتيجة ذلك إلا ما ذكرته الملائكة وخشيت من حدوثه.. الفساد وسفك الدماء! إن الله تعالى قد وضع المواصفات لمن تقع عليه المسؤولية والتي هي استخلاف له يسأله الله عنها يومئذٍ، فإن لم تطبق المواصفات فإن الفساد لا محالة واقع ولا يحتاج لوثيقة لإثباته!!