أريد أن أصمت كي أحيا ولكن الذي ألقاه ينطقني كلمات قالها الشاعر أحمد مطر وقد وجدت نفسي في ذات المطب!! في بلادي وقعت انقلابات استولت على الحكم بالقوة بعد إزالة الحكم الذي يقال عنه ديمقراطي، ونصمت تحت فرض قوانين الطوارئ والقوانين العرفية وحظر التجول، وعندما يتحول النظام إلى نظام أوحد بعد أن يصمت الجميع ليحيوا يعود بهم ذات النظام إلى ما يسمى بالديمقراطية وما يحدث بعد ذلك يجبر الصامت على الكلام..!! من أغرب المطالب قسمة السلطة والثروة، وهذا ما لم أعهده لا في الأنظمة الدكتاتورية أو الديمقراطية التي تقول إن السلطة للشعب، فلماذا اقتسامها إذن إذا كانت لغيركم؟! يطالعنا وزير المالية نهاية كل عام بأن الميزانية في خطر والإفلاس يهددنا، لذا يجب زيادة أسعار المواد الأساسية والبترول والخدمات وإلا فالهلاك ولكن تأتي قسمة الثروة كبند أساسي في المفاوضات نسكت كي نحيا ولكن ما يحدث ينطقنا!! رفعنا شعار الإسلام الذي ارتضته الغالبية العظمى فأصبح الامتياز الوحيد هو أن بإمكان أي مواطن فيه أن يكفر الجميع، ويحجز جنة عرضها السموات والأرض له وحده..!! مقتبسه من أحمد مطر. أقصر قصة يمكن كتابتها «رجل ولد وعاش ومات» وفي السودان يمكن أن تطول قليلاً «رجل ولد ولم يعش ومع ذلك سيموت». سيموت لأن من يحكم يتحدث باسمه ومن يعارض أيضاً، يتقاتلون على السلطة التي قالوا إنها له، ويقتسمون الثروة التي قالوا إنها ملكه، لكنها تسلب منه بالضرائب والأتاوات والدفنيات والحروب والانقلابات والانتخابات «الحرة النزيهة» لذلك لم يعش ورغم ذلك سيموت.. وزير طالب بمساعدة الفقراء ووزير المالية يعتبر أن هذا بدعة، مساكين الفقراء لم يعيشوا ورغم ذلك سيموتون لأن مساعدتهم للعيش الكريم بدعة..!! في الأوضاع التي نعيش أصبح العقل مأساة ورغم كل هذا ندعو الله أن يملكنا إياها فإلغاء العقل هو المأساة الحقيقية.. ومن تبعات هذا أن أصبح السودان كالثوب المرقع كل جزء فيه مصنوع بمصنع وهذه أيضاً مقتبسة.. بالديمقراطية التي ابتدعوها انعزلوا عن الشعب فرحب بمن انقلب عليها ولكن من تمكن بعد ذلك انعزل أيضاً عن الشعب فعاد إلى ذات الأسلوب الديمقراطي ولكن بطريقته التي عزلته حين كان قابضاً، وقد مل الشعب قصة ديمقراطية، انقلاب على وزن دخلت نملة وأخذت حبة وخرجت، وما بقى من الحبوب ما يكفي فأخذ كبار النمل يسطو على الصغار منه في أكثر المسلسلات السياسية مللاً..!! أزمتنا تتجسد في نفي وجود أزمة قائمة هذه هي الأزمة الحقيقية، وكي نتجاوز الأزمة يجب إزالة الأزمة الحقيقية التي تنفي وجودها، فأزمتنا أزمة مركبة ذات عدة مجاهيل نعلمها جميعاً سواءً كانت في الحكم أو المعارضة!! من أزماتنا أن الكل يفاوض باسمنا وبعد كل توقيع تقع كارثة، فبعد توقيع نيفاشا بدأ الكوارث تطل برأسها، فظهرت دارفور والشرق وبعد الانفصال ما زالت الحركة الشعبية هي هي لتحرير السودان، فقد حرروا الجنوب وها هم يواصلون تحرير البقية، هذا ما عرف حينها باتفاقية السلام الشامل، والذي نفاقاً تم ترشيح موقِّعيه لجائزة نوبل للسلام هكذا قرر النفاق في الصحافة السودانية وحدها!!. وفي المقابل زادت العقوبات على الشعب السوداني المتبقي، وتم عزله حتى عن أولئك الذين يشهدون ألا إله إلا الله كما يشهد هو.. والمعارضة باركت العقوبات على شعبها الذي تتحدث باسمه، فالذي يعاني من الحصار والعقوبات ليست المعارضة ولا النظام الذي تحاربه إنما الشعب الذي يتحدث باسمه الاثنين معاً.. لماذا تركنا العقل وأبدلناه بالسيف، فالعقل هو ما يدير السيف، والسيف يضل الطريق في غياب العقل، ويصبح آلة فوضى تفرق حتى أولئك الذين جمعتهم لا إله إلا الله..!! نعم القوة هي الضامن للأمن أياً كان قومياً أو إقليمياً أو اجتماعياً، لكن القوة أن جردت من العقل تصبح قوة باطشة وغاشمة هكذا قال لنا التاريخ وقصص القرآن الكريم، فالعدل هو أقوى أنواع القوة وهو ما يوفر الأمن والطمأنينة، والعدل يبنيه العقل وتحميه القوة، فالحاكم العادل يحميه العدل الذي يقيمه «حكمت فعدلت فنمت يا عمر». ومن العقل والعدل إعادة ترتيب الحكم ومنظومته قبل أن ينقسم من داخله فتلك كارثة الكوارث، فالبلاد تحتاج لإصلاح لا لانقلابات والإصلاح في الوضع الحالي لن يأتي من معارضة عرجاء تنتظر اقتسام السلطة لتشارك في نهب الثروة، الإصلاح يأتي من قمة السلطة بقرار صارم يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فالمولى عز وجل وهو الذي لا يسأل عما يفعل قال لملائكته إني جاعل في الأرض خليفة، وقد فهم الملائكة أنهم غير معنيين بالأمر ولو كانوا معنيين لكان قول المولى عز وجل «إني جاعل في الأرض ملكا» وكان ما كان من اعتراض الملائكة، ولكن المولى عز وجل أقنعهم بالحجة الدامغة، حيث علم آدم الأسماء كلها والأسماء هنا تعني علوم الأرض التي هي موضوع النقاش، وحين سألهم عن هذه العلوم «الأسماء» استسلموا لله الواحد الأحد..!! والآن وعلى مدى ربع قرن ينتقل أركان النظام من وزارة لأخرى ومن موقع لآخر دون أن يدركوا علم أياً منها حتى حدث ما كانت تخشاه الملائكة، من فساد وسفك دماء..! الحل موجود ولا توجد معضلة في الأرض إلا وُجد لها الحل وقد اقترحته من قبل وأرجو أن يقوم الرئيس به.. فقد تبقى ذراع!!