في كتبه التي نشرها قديماً ومنها كتاب «تجديد الفكر الإسلامي» أكثر الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي من استخدام مصطلحات: «الشرك السياسي» و«الشرك التقليدي» و«الشرك الشعائري» و«الفقه التقليدي» و«الفقيه التقليدي» و«الفكر العقدي القديم » وغيرها.. وللاستشهاد لذلك أسوق هذه النماذج: في تجديد الفكر الإسلامي ص42 قال: «ولئن كان فكرنا «التوحيدي القديم»، وعلمنا الكلامي القديم قاصراً على أن يعالج أمراض «العقيدة السياسية» التي ظهرت حديثاً فقد كان «فقهنا العملي القديم» كذلك قاصراً عن هذه المعاني، وهذه علة تصيب كل الديانات ومرض من أمراض التدين». وقال ص41 في نفس الكتاب: «ولكن حال الزمان وأصبح اليوم يجابهنا شرك جديد هو «الشرك السياسي»» إلى أن قال: «هذا الشرك الجديد ليس في الفكر الإسلامي «العقدي القديم» كثير علاج له». وفي نفس الصفحة قال: «وقد كان هذا «نوعاً جديداً من الشرك» وكان لابد من أن يتوجه إليه فكر عقدي جديد». وقال ص44: «ولما كان الفكر الإسلامي في كل قرن مرتبطاً بالظروف القائمة، ولا نصيب له من خلود بعدها إلا تراثاً وعبرة سواء في ذلك فقه العقيدة أوفقه الشريعة». وفي ص12 قال: «وإذا كنت قد ضربت لكم الأمثال من الفكر الاعتقادي وكيف يطرأ عليه التقادم...». «فلا يكاد «الفقيه التقليدي» اليوم يتصور ما هو الإسلام، ولا يكاد ينظر إلى الإسلام من مقاصده ومعانيه ومبادئه العامة، من حيث هو إيمان حي يتحرك، وإنما هو يعلم تفاصيله المنثورة». هذه نماذج ومثلها كثير، في استخدام الترابي مصطلحات «الشرك السياسي» و«التقليدي والشعائري أو القديم» وغيرها، فالشرك التقليدي أو الشعائري عند الترابي هو الشرك الوارد في نصوص الشريعة الإسلامية من اتخاذ الأنداد والشركاء مع الله تعالى وصرف العبادات لهم، وعبادة القبور والأضرحة والطواف بها ودعاء الأموات.. وأما السياسي فهو المتعلق بقضايا الحكم والحاكمية وما يتعلق بها من انتخابات وبرلمانات وسلطات، أي ما يتعلق بالجوانب السياسية، فالأول: هو الشرك الذي يحدث في قباب الأموات المقبورين وأضرحتهم وما يشبهه، والثاني: هو الشرك الذي يحدث في «قبة» البرلمان!! وتأصيلات هذه المصطلحات عند الترابي هو أمر معروف عند المهتمين بهذه الجوانب والمتابعين لما يحدث في الساحة الدعوية أوالسياسية.. فالترابي قد بيّن منذ زمن بعيد أن تركيزه وعنايته واهتمامه فيما سمّاه بمحاربة الشرك «السياسي».. فزهد في تناول قضايا ما اصطلح عليه بالشرك الشعائري أوالتقليدي وأعرض عنها.. وليته زهد فقط واكتفى بالسكوت!! فإنه لم يكف لسانه عن الاستهزاء والسخرية بأسلوبه المعروف بالمهتمين بالتحذير من الشرك ومظاهره، المبينين للمعتقد الصحيح، فإنه قد اشتهر باستخفافه بدعوتهم والسخرية منهم.. وعباراته في ذلك مدوّنة ومشتهرة تتداولها الألسن. وكذلك فإن ما يسميه بالفقه التقليدي هو علم الأحكام الشرعية العملية المعروف عند المسلمين بفقه العبادات والمعاملات.. والفقيه التقليدي عنده هو من يشتغل بهذه الأحكام وببيانها. لقد زهد د.الترابي بل واجتهد لأن يزهِّد غيره في بيان المعتقد الصحيح والتحذير من أعظم المخالفات والمنكرات وهو الشرك بالله، ولم يكن له أسوة في كتاب الله تعالى الذي فصّل قضايا هذا الجانب العظيم ببيان لا يبقى معه خفاء أو غموض أو جهل لمن يقرأه، وفي القرآن الكريم نقرأ أن أهم مهمات المربي والموجه التحذير من الشرك بالله فنقرأ في وصايا لقمان التي فيها أبرز معالم التربية ومنهاجها «يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم».. وفي القرآن الكريم نقرأ قصص الأنبياء ودعوتهم لأقوامهم وشفقتهم عليهم، وبيانهم لطريق النجاة وتحذيرهم أقوامهم من طرق الهلاك وأهمها الوقوع في الشرك بالله.. ونقرأ بيان ما ترتب على الاستجابة وعدم الاستجابة لأولئك الأنبياء، ونقرأ في كتاب الله تعالى أن بيان المعتقد الصحيح وعبادة الله وحده والتحذير من الشرك في العبادة هو الذي أرسل الله به جميع الرسل والأنبياء. ولم يكن لزعيم المؤتمر الشعبي أسوة في النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام الذي كان يحذر من الشرك بالله، ويبالغ في ذلك، شفقة بأمته، ورحمة بها، وقد بين أن الشرك هو أكثر أمر يخاف على أمته منه.. ولذا حذرهم منه وهو في سكرات الموت عليه الصلاة والسلام، وشهد وبلّغ أمته أن الشرك بالله هو أعظم الموبقات وأنه أكبر الكبائر. لقد ادّعى الترابي أن الذي ينبغي أن يكون التركيز عليه هو «الشرك السياسي».. وهذا ما حكاه عن نفسه قولاً وفعلاً خلال عقود طويلة من الزمان، والترابي الآن في العقد الثامن من العمر.. وإنّ عليه قبل غيره من الناس أن يسأل نفسه هذا السؤال: إذا كان الترابي قد أعرض وزهد بل عاب على المشتغل بما سماه «الشرك الشعائري أوالتقليدي أوالقديم» وعاب أيضاً انشغال الفقهاء بتعليم فقه المسلمين وسماه «الفقه التقليدي» وانشغل بما اصطلح عليه بالشرك السياسي، فماذا حقّق في ذلك؟! وما هي ثماره ونتائجه خلال هذه العقود من الزمان فيما أظهر عنايته به وهو «الشرك السياسي» ؟! ولئن أجاب د. الترابي عن هذا السؤال أو لم يجب، فإن الإجابة نقرأها وقرأناها في إجابات القريبين من الترابي قبل البعيدين!! وفي شهادات طلابه النجباء الموالين قبل خصومه البعيدين المعادين!! فقد عاب الترابيَّ وتنظيره وفتاواه ومواقفه السياسية ومواقفه في كثير من قضايا الدين عاب ذلك وغيره الكثيرون ممن كانوا هم أقرب تلاميذه ومحبيه، ولم تتوقف شهادات المقربين منه في ذلك، ويوم أمس الاثنين 12 ربيع الآخر الموافق الخامس من شهر مارس قرأنا بهذه الصحيفة ما سمي ب «المذكرة التصحيحية» المنسوبة لبعض المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي.. وليس هناك ما يستغرب له الكثيرون عند اطلاعهم على هذه المذكرة أوعشرات المذكرات مثلها، فإن هذه النتائج معروفة ومعلومة بل هي يقين عند الكثيرين، والموفق من يعرف الفتنة عند بدء وقوعها.. فإذا أدبرت الفتنة عرفها كل أحد!! وأقتبس من عبارات هذه المذكرة ما يلي: فقد قيل فيها: «لكن مرة أخرى خاب الرجاء ومضينا إلى منتهى الطريق حتى تضاءل الأمل، وبدأ التفتت الداخلي والانقسام النفسي والفكري حيال كل قيمة مطروحة، وغُيبت الأجهزة التنظيمية، واستعيض عنها بلجان يُرى فعلها ولا تُرى، وأتت المشكلات في كل أنحاء البلاد». ومما قيل فيها: «إن الحزب وإن كانت له رؤية ومقدرة على حل الأزمات أو الإسهام فيها لصالح الوطن، إلاّ أن روح الانتقام تجعل القيادة تقلِّب كفيها دلالة على العجز، وإن أقدمت على فعل شيء فإن فعلها من حيث الوقوف مع التطورات الدولية أو المحكمة الجنائية أوضد القوات المسلحة حتى أصبح حزب الأصالة الإسلامية إن نجا من العمالة فهو إلى الانتهازية أقرب، فرجع بذلك عدد ليس بالقليل للمؤتمر الوطني مسترجعاً، وانصرف غالب الخُلّص إلى همومهم الخاصة». ومما قيل فيها: «أصبح الحزب الآن حشدًا من الأسماء التي تتبوأ مواقع وهمية، يسميها الأمين العام أمانات، وهي في حقيقة الأمر لا وجود لها على أرض الواقع، فقط تستخدم كديكور لتجميل وجه الحزب حتى يكون منظره من بعيد، جاذباً للآخرين» ومما قيل: «كيف للأمانة العامة التي أصابتها الشيخوخة توافق بدون اعتراض على علاقة خاصة مع الحزب الشيوعي»، ومما قيل في المذكرة: «نحن نطالب اليوم قبل الغد أن ينفض الحزب يده عن كل تعهد أوالتزام أوصلة تربطه بالحزب الشيوعي الفاسق وبأمثاله من أحزاب الضلال الضالة المضلة» ومما قيل: «ولكن ظل المؤتمر العام غائباً أومغيباً بأعذار واهية من عدم وجود مال وخلافه، مما خلق حالة من الاحتقان داخل الحزب، وظلت الأمور التنظيمية مرهونة بيد الأمين العام والقيادة، وغاب المؤتمر العام تماماً عن لعب دوره الأساسي» وقرأنا في المذكرة المنسوبة لبعض المنتمين للمؤتمر الشعبي: «موقف الحزب المعلن من قضية المحكمة الجنائية من خلال تصريحات الأمين العام وآخرين معه لا يعبِّر عن موقف عضوية الحزب العريضة، التي لا يرضيها أن يحاكم أيّ سوداني أمام هذه المنظمات المشبوهة التي لا تنشد عدلاً» وقرأنا: «ظلت عضوية الحزب تعضُّ على مرارة التهميش وعدم التدريب والترقي إلى مصاف القيادة، وهي ترى الأبواب مغلقة في وجه الشباب، مشرعة لكبار السن» وللأسرة وآل البيت والنسابة» واحتملت كل ما تلاقيه من نكران في سبيل مبادئ آمنت بها، وهي تقاوم إغراءات السلطة والمال وتتمسك بحزب لا يقدم لها شيئاً...».. أقول: هذه واحدة من الشهادات الأخيرة المحررة لزعيم المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي والتي تبين بوضوح وجلاء فشله في السياسة التي ادّعى لنفسه أنه من أساطينها وزعمائها وقد صدرت من مقربين وقد سبقهم مقربون، لتتنوع الشهادات التي صدرت للترابي ببيان فشله السياسي.. وأما فشله في العناية بالتوحيد والعقيدة الصحيحة والفقه الإسلامي وميراث الأمة من العلم الشرعي القائم على النصوص الشرعية وهو ما يسميه «القديم والشعائري والتقليدي» فقد حرّر الترابي لنفسه شهادات الفشل في ذلك، ومنذ زمن بعيد وقام بتدوينها وتدبيجها ونشرها في كتبه التي طُبعت قبل حوالى ربع قرن من الزمان، وتحقق في حاله مقولة: «فلا إسلام قد نصرا ولا باطل قد كسرا»..!! بل كان معونة للباطل.. ساعياً مجتهداً لزعزعة ثوابت الدين.. وهمسة في أذن المنكرين عليه من المقربين إليه.. أن يصححوا ويبرئوا ذمتهم بإنكار فتاواه وشطحاته المنحرفة المتواصلة والمتكررة والتي خالف فيها نصوص القرآن والسنة وإجماع علماء المسلمين مما لا يخفى عليهم، فذاك أولى بالإنكار والتصحيح وإبراء الذمة من غيره.. والموفق من وفقه الله..