إذا كانت الندوة في قاعة «إس إم سي» تحت عنوان «أدب الاختلاف» فإن السيد الصادق المهدي الذي كان أحد المتحدثين فيها ردد صفة الانكفاء على «السلفيين» في حين أن هؤلاء السلفيين لو وصفوه بالجهالة في الفقه والجاهلية في السياسة لاعتبر أن هذا ليس من أدب الخلاف.. ولكن ما المقصود بالانكفاء في أدبيات الصادق الحوارية؟! هل هؤلاء السلفيون استبدلوا مرجعية الكتاب والسنة بغيرها وانكفأوا عليها؟ أم أنه يقصد أنهم منكفئون على الكتاب والسنة وبالتالي لا يسعهم أن يوافقوا السيد الصادق في تأييده لبعض الأمور مثل اتفاقية سيداو أو يوافقوه في البعض الآخر مثل عدم الالتزام بلباس الصحابيات ومنهنّ أمهات المؤمنين وبنات النبي صلى الله عليه وسلم؟ لكن لماذا لا يكون السيد الصادق أيضاً هو منكفئاً على الموروث الغربي؟ وحينما يكون الحديث متعلقاً بالإمام محمد أحمد المهدي وهو جده طبعاً فإن السيد الصادق المهدي يحاول أن يوفر تبريرات للتناقض بين الإمام الأول والإمام الأخير أو الأئمة من بعد الإمام المهدي. وقد ذكر في ذات الندوة شعراً لبعض الشعراء يحكي أن سيف الإمام المهدي وأسلوب الإمام عبد الرحمن المهدي أي ابنه واحد من حيث النتيجة في مقاومة الاحتلالين ما قبل المهدية وما بعدها.. ومعلوم أن الإمام المهدي قد رحل من الدنيا مجاهداً قبل استكمال مقاومة الاحتلال الأجنبي تماماً. ومعلوم أنه صاحب دعوة إسلامية ومنهج سياسي شرعي يقوم على صيانة الخلافة الإسلامية وتنقيتها من الأدران الأجبنية التي يمثلها أمثال غردون وهكس واليهودي سلاطين رودلف . ولم يكن مقتل نجلي الإمام المهدي وهما الفاضل والبشرى إلا لمنع تكرار قيادة مقاومة والدهما ضد كتشنر وونجت وسلاطين بعد عودته مرتداً وعائداً إلى اليهودية التي ادعى أنه تركها وانسلخ منها قبل هروبه وتأليفه لكتاب السيف والنار.. أما الإمام عبد الرحمن المهدي فقد كان طفلاً حين وقعت مجزرة الشكابة، ولا يمكن أن يقام الاحتلال الثاني بقيادة كتشنر وهو في المهد صبي.. بعد ذلك يكون الإمام محمد أحمد المهدي نشأ في بيئة وتحت ظروف سياسية تختلف من حياة ابنه الإمام عبد الرحمن المهدي. لذلك تبقى المقارنة بينهما فاسدة، والإمام عبد الرحمن المهدي بعد أن شبَّ عن الطوق لم يجد حالة مقاومة فعلية ضد الاحتلال البريطاني غير التي قادها أبطال ثورة اللواء الأبيض بقيادة الملازم علي عبد اللطيف طيب الله ثراه، وتعود جذور علي عبد اللطيف إلى جبال النوبة التي انطلقت منها الثورة المهدية بقوة ضاربة.. وهكذا انعكس ضوء شمس المهدية على قمر أبطال اللواء الأبيض. ثم إن ما فعله الاحتلال البريطاني ليس أسوأ مما فعله نظام نميري قبل عام 3891م وليس أسوأ مما فعله نظام عبود وليس أسوأ مما فعله نظام البشير قبل إبعاد الترابي بقرارات الرابع من رمضان، فلماذا إذن يجد الاحتلال البريطاني المقاومة السلمية، بينما تجد هذه الأنظمة العسكرية الوطنية المقاومة المصلحة من أئمة الأنصار عام 0791م وعام 6791م وعام 4991م؟ لماذا يقول الصادق المهدي: «لن أقول للجبهة الثورية ضعي السلاح» وفي نفس الوقت يتحدث عن المقاومة السلمية ضد الاحتلال البريطاني بعد عشرين عاماً من دخول حملة كتشنر ولا يعارض هذه المقاومة السلمية؟! هل يستحق الحكم الوطني المقاومة الحربية ويستحق الاحتلال الأجنبي المقاومة السلمية؟ ما لكم كيف تحكمون؟ إن المهدي لم يكن صاحب سيف فقط.. ولا تجوز مقارنته بغيره.. وقد أراد أن تكون أم درمان هي عاصمة الخلافة الإسلامية بدلاً من إسطنبول التي اخترقها المجرمون الأوربيون مثل كرومر وكتشنر وغردون وسلاطين وهذا يؤكده تخليفه للسنوسي وتؤكده محاولة فتوحات خليفته عبد الله التعايشي.