الحمد لله فقد عشت وقرأت نعيي ورثائي على صفحات الصحف .. والمحظوظ من عرف ماذا يقول الناس عنه بعد ذهابه، وأعتبر نفسي سعيداً ومحظوظاً. في يوم من أيام عام 1982 وعندما كنت أتناول فطوري في نادي أساتذة جامعة الخرطوم هجمت على أصبع يدي قطة شرسة وأشبعت ذلك الأصبع عضاً قبل أن يشبع من السمك والبيض.. وكان عليّ بالطبع أن أبحث عن مصل مضاد لداء الكلب بالرغم من أن التي قامت بذلك الاعتداء كانت قطة آثمة. لقد كان لتلك العضة وقع كبير عند المشفقين عليّ والشامتين على السواء .. وبما أن ذلك المصل الضروري لإنقاذ حياتنا كان معدوماً فقد كان المقدر أن ألقى حتفي وأنا أهوهو وأعضعض خلق الله من الأقربين والأبعدين قبل أن انتقل إلى الدار الآخرة مأسوفاً على شبابي، وهنا تفتقت عبقرية أحد أصدقائي من جهابذة حلمنتيش الشاعر الصامت ابن كلام بمرثية عصماء يرثيني بها وينعى إلى الأمة السودانية ابناً باراً من أبنائها فجاءت قصيدته قائلة: عض الكديس بنانكم فنعاكا ناعٍ فكدت أدق من ينعاكا هاجت شجوني والمدامع عُصرت دمعاً على تضنه عيناكا فلكم عرفتك جامداً متحجراً تمثال ديناصور في معناكا حجراً ثقيلاً لا يزحزحك البلى فاليوم كيف القط قد أفناكا ؟ ياقاتل القرن الكمى بكلمة بالله كيف القط شل قواكا لو كنت تكرمه بعشر رغيفة لمضى ولم تهرد كلاى كلاكا لكنه لم يلق منك سوى الذي كنا نلاقي عندما نلقاكا نأتي إليك بجوعنا فتردنا بالماء قد مُلئت كرش من جاكا ولقد هممنا أن نعضك مرة لكن خشينا نابك الفتاكا والقط يا حساس وغد ماكر لولا الأصابع كان علق فاكا لما تدلى أصبع غدرت به ناب الكديس وظنه مفراكة والحق أنه أصبع مفراكة دارت على ورق تثير عراكا فلكم فركت به أناساً همهم ملء الكروش بكل ما لاقاكا ولكم طبزت به عيوناً بحلقت فيما تحط وساءها مرءاكا ولكم قرصت به فتىً متأدباً كانت مواهبه لنا أشواكا ولكم أشرت به لكل حقيقة طمست وصارت باطلاً وركاكا يا أصبعا فوق الصحائف صائلاً اليوم في خشم الكديس نراكا ونرى صويحبكم يهوهو مثلما غنى فلان المطرب اليومداكا حساس ان هوهوت اثر عضيضة ومضيت مسعوراً إلى مثواكا فالناس بعدك فرقة شمتانة تضحك على أخرى تروم رؤاكا فالشامتون لفقدكم قد سرهم موت الذي ابداً يقج شراكا ونسوا بانهمو ضمائرقد غضت بعد المنية والنفاق تباكى ان غاب ذو شنب وأظلم نجمه للقيت ذا ذنب يروم حداكا والذارفون الدمع مثلي فاتهم في الاستراحة ماتخط يداكا حتى الجرائد قد بكتك لأنها ماكان يمكن بيعها لولاكا ياعالماً بين الدبايب عاكفا دهراً بقيت ولا دبيب عضاكا من لم يمت باللدغ مات بعضة من نائب لم يعرف المسواكا حساس ان ركزوا رفاتك في الثرى فالكل ميت بالهموم معاكا ان وسدوك الطوب فأعلم إنه قد صار أغلى حاجة تبراكا أو كتحوك بالتراب فأعلم إنه لو كان شاعراً لرثاكا ياربي ذا حساس فأصلح حاله اذ عاش لا مالا ولا املاكا وتبارى الشعراء في تلك الواقعة وكلهم يرثون حساسًا وهذا هو الاسم الحركي الذي كنت أكتب به تأملات «حساس محمد حساس»، حتى أننا قررنا أن نقيم حفل تأبين بعد مرور «40» يوماً على تلك العضة فكان أن ألقيت القبض على الكديسة حسب توجيهات صديقي الدكتور محمد الطاهر عبد الرازق مدير الأبحاث البيطرية «رحمه الله» ووضعناها في قفص لمراقبتها وفي يوم الأربعين أحضرتها معي إلى متحف السودان للتاريخ الطبيعي حيث أقمنا حفل التأبين.. والحمد لله الذي أحياني إلى اليوم الذي حضرت فيه حفل تأبيني وكل أربعين وأنتم بخير.