الزيارة المفاجئة وغير المعلنة لنائب الرئيس الكيني كانزو ماسيوكا للخرطوم وتسليمه الرئيس البشير رسالة من الرئيس مواي كيباكي، يجب أن ينظر إليها في حقيقة دوافعها وسببها الحقيقي بعيداً عما نُشر في وسائل الإعلام والتوضيحات الرسمية، فهي في الأساس تتعلق بما يهم المنطقة وجهات كثيرة في العالم، بشأن علاقة السودان بدولة جنوب السودان، والزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية المشير البشير، لعاصمة دولة جنوب السودان مطلع الشهر المقبل. ويبدو أن سخونة الجو السياسي في الخرطوم وما تلا الاتفاق الإطاري في أديس أبابا بين وفدي حكومتي السودان وجنوب السودان، قد هبت رياحه بحرارتها اللافحة على المحيط الإقليمي، وتحركت أطراف إقليمية ودولية عديدة للعب في الملعب الذي فتحت جوانبه وأبوابه، لإتمام زيارة الرئيس البشير إلي جوبا. ومعروف أن السيد ماسيوكا نائب الرئيس الكيني، يحتفظ بعلاقات جيدة مع الخرطوم منذ بداية صعود نجمه السياسي في وخلال فترة المفاوضات بين حكومة السودان والحركة الشعبية، منذ جولات ميشاكوس مروراً بجبل كينيا وناكورو وأخيراً منتجع سيمبا بنيفاشا، الذي أفضى لتوقيع الاتفاقية التي سُميت «إتفاقية السلام الشامل»، وكان السيد ماسيوكا وقتها يتولى حقيبة الخارجية في بلاده في أواخر عهد الرئيس الكيني السابق دانيال أراب موي، وترفع عقب انتخاب الرئيس كيباكي الذي في عهده وقعت اتفاقية نيفاشا في9/1/2005م وصار ماسيوكا نائباً للرئيس. وتبدو زيارة نائب الرئيس الكيني في هذا الوقت بالتحديد، وتسليمه رسالة للرئيس البشير من كيباكي، كأنها محاولة لتطمين السودان والبشير بأن زيارته إلى جوبا تم ترتيبها على المستويين الإقليمي والدولي، ولتطمين الداخل السوداني بأن ما يُثار عن موضوع المحكمة الجنائية لا وجود له ولا خوف منه، وأنه سبق لكينيا الموقعة على ميثاق روما والمصادقة عليه، أن استقبلت البشير.. وواجهت بذلك الحملة السياسية والإعلامية الدولية العنيفة ضدها. وربما كذلك أو ما يشبه التأكيد، أن نائب الرئيس الكيني قد حمل معه رسائل أخرى من جهات دولية وإقليمية في ذات الشأن، لتحفيز الرئيس البشير على زيارة جوبا وعقد القمة المرتقبة بينه وبين رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت. لكن السؤال.. ماذا وراء كل هذا الذي يجري؟ الإجابة ليست عسيرة، فهناك ما يجري على هذه الساحة من تحولات وتطورات دفعت حكومة جنوب السودان والقوى الدولية الحليفة لها والدوائر الغربية التي تدعمها وجماعات الضغط المساندة لها، إلى التفكير بصورة عاجلة لإيجاد حلول ومخارج لهذه الدولة الوليدة من أوضاعها التي تعيشها، ومن تداعيات كثيرة تجري حولها وأرض تميد وتتزلزل تحتها!! فأوغندا مثلاً ليست على وئام مع دولة الجنوب.. خاصة عندما بدأت الأخيرة تفكر في مد أنابيب النفط في مشروع قد يكتمل في غضون سنوات عبر إثيوبيا إلى كينيا أو عبر إثيوبيا إلى جيبوتي، ووقعت جوبا بالفعل على اتفاق لإنشاء الخط الناقل للبترول في مطلع مارس الجاري مع نيروبي، وفوتت الفرصة على أوغندا التي كانت تنتظر أن يمر الخط بأراضيها في الجزء الشمالي الشرقي منها نحو الموانئ الكينية، وهذا ما جعل كمبالا حانقة وغاضبة على جوبا، ولا يبدو أنها ستتصالح معها وترضى عنها قريباً.. وقد تُحرِّك كمبالا بعض مؤيديها داخل الجنوب في اتجاه مناهض لحكومة الحركة الشعبية، خاصة الإستوائيين الذين يعتمل في داخلهم شعور بالظلم والتمرد. إما على صعيد الوضع الداخلي فمعلوم أن أوضاع الجنوب مأزومة للغاية، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وتجارياً، ولا مخرج لجوبا سوى تسوية خلافاتها مع الخرطوم حتى تتجاوز هذه المحن والكرب.. في وقت لم تتحمس فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لدعم دولة الجنوب بشكل مباشر، وترى أن وقف إنتاج النفط بلا سبب مقنع سبب رئيس يفاقم من تردي الأوضاع في الجنوب، وعلى حكومته أن تحل مشكلاتها، ولديها مال كامن تحت أقدامها يجب أن تستفيد منه أولاً قبل طلب المساعدات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن زيارة سلفا كير لبروكسل التي تمت قبل يومين لم تسفر عن شيء وفي يديه الآن خفي حنين، مثلما عاد نائبه رياك مشار من الولاياتالمتحدةالأمريكية صفر اليدين قبل أيام. وكل هذه الأسباب تجعل القوى الدولية والدول الغربية التي تعيش أوضاعاً مالية صعبة ومعقدة وتترقب انتخابات على الأبواب كما في الحالة الأمريكية، لا تتمكن من دعم دولة الجنوب بفسادها وطيش سياساتها وخلافاتها واحتراباتها، فعلى الجنوب أن يحل مشكلاته ولو على حساب السودان.. وهذا ما يجري.