يلعب الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثابو مبيكي رئيس اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى في الاتحاد الإفريقي، دوراً هو الأرأس بين الأدوار الإقليمية والدولية في العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان، منذ الفترة الانتقالية وبعد انفصال جنوب السودان وتكوين دولته الخاصة به، ويبذل مساعيه هو ولجنته التي تضم عدداً من الرؤساء الأفارقة الأسبقين أبرزهم رئيس بورندي السابق بيير بيوييا ورئيس نيجريا الأسبق عبد السلام أبو بكر وغيرهم، في سبيل إزالة الخلافات بين السودان والدولة الوليدة... لكن بطبيعة الحال لا بد من قراءة دقيقة وموضوعية لهذا الدور الذي كلما تعقَّدت الأمور وفشلت جولات التفاوض بين البلدين، طار أمبيكي بين البلدين من جوبا للخرطوم، حاديه أملٌ مِلحاح في تجاوز العقبات وتسوية ما يتبدّى من خلاف... وللحقيقة فإن السيد مبيكي الذي زار الخرطوم أول من أمس، وكسب موافقة البشير على لقاء سلفا كير رئيس دولة الجنوب، بعد أن ألغى اللقاء عقب الاعتداءات الأخيرة نهاية مارس من قوات الجيش الشعبي على الأراضي السودانية في هجليج وتلودي، ودعم جوبا للمعارضة المسلحة التي تتشكل من أطياف الحركات الدارفورية وبقايا الجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق، فإنه أي أمبيكي ينطلق في تحركاته ودوافعه من مرتكزات مركزية وجوهرية لديه تتصل بمواقف سياسية وقناعات لديه بالحركة الشعبية ودولة جنوب السودان، وتستمد بُعدها التاريخي من علاقة قديمة للحركة الشعبية بجنوب إفريقيا في نسختها المعدّلة بعد مجيء السيد نلسون مانديلا للسلطة في 1994م ووراثة مبيكي عام 1999م رئاسة الدولة الإفريقية الأكثر تقدماً من عرّابه الأكبر مانديلا، وكانت الدعاية السياسية للحركة الشعبية والقوى الدولية والإفريقية التي تقف وراءها ذات أثر كبير للغاية في الرجل الذي خرج من صفوف الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي وانتظم في سلك المؤتمر الوطني الإفريقي مقتفياً خطى والده الذي كان رفيق مانديلا في فترات النضال وفي سجن جزيرة روبن مع أحمد كاثرادا والتر سيسوليو وملانجيني وغيرهم... وتعمّقت علاقة الحركة الشعبية بجنوب إفريقيا وكانت مدرسة للكادر السياسي للحركة في مختلف مجالات التأهيل الإداري والسياسي، فضلاً عن تدريب مجموعة من الطيارين والضباط من قيادات الحركة، خلال فترة رئاسة مبيكي لدورتين في بلاده حتى تنحّيه من السلطة بضغوط من حزبه بعد صراع مع جاكوب زوما نائبه والرئيس الحالي في قضايا تتعلق بتدخل مبيكي في عمل القضاء المستقل لإدانة زوما.. وينطلق مبيكي ومعه الرؤساء الأفارقة في اللجنة الرفيعة المستوى من نقطة مهمة للغاية، وهي أنهم يبذلون قصارى الجهد لإطفاء النيران في الفضاء الإفريقي كما يقول العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ولكن هذا الإطفاء يجب أن يكون لصالح الدولة الجديدة أولاً وليس من أجل عيون السودان! وكل التحركات الدولية والحرص الغربي من أمريكا وتوابعها من الدول الأوروبية وثلة الرؤساء السابقين في إفريقيا والدول في محيطنا الإقليمي، هدفها تأمين وجود واستمرار دولة الجنوب، وإيجاد الظروف الملائمة لها لكي تبقى وتعيش، وهناك نوع من التعاطف المستبطَن مع الجنوب يغلّف في غلالة شفّافة جداً من الحياد كما يبدو من أجل إنجاح مخطَّط الحفاظ على دولة الجنوب سليمة البيضة.. وما من أسلوب فعّال بجانب الضغوط من خارج القارة أفضل من الأسلوب الناعم الذي يمارسه السيد ثابو مبيكي مع الخرطوم لتليين مواقفها وتسهيل قبول ما يمكن رفضه، وجعل المستحيل ممكناً في كل الحالات.. ولابد هنا من قياس كل مواقف وزيارات ووساطات السيد ثابو مبيكي واللجنة رفيعة المستوى التي صُمِّمت لتظهر وكأنَّ عملها ومقترحاتها في إطار البيت الإفريقي وإيجاد الحلول من داخل القارة السمراء ومنع تدويل قضاياها، إلا أن كل ما تفعله هذه اللجنة وما يقول به رئيسها يتماهى مع المطلوب دوليًا والمخطَّط له أمريكيًا، وإن لم يكن الهدف هو إيذاء السودان فإنه بالدرجة الأولى هو تقوية وبقاء دولة الجنوب..