أقامت الجمعية الخيرية لأبناء جبال النوبة بالرياض حفل إفطارها السنوي لهذا العام وسط حضور كبير من أعضاء البعثة الدبلوماسية وأفراد الجالية السودانية ورموز المجتمع ورؤساء الكيانات والجمعيات. ونحن إذ نشكر لإخوتنا من جبال النوبة هذا الكرم الذي غمرونا به، نشاطرهم الحزن والأسى على ما يدور من أحداث مؤسفة تشهدها جنوب كردفان الآن جراء الحرب التي فرضت على المنطقة نتيجة طموحات شخصية وتآمر مكشوف من بعض قوى الشر والاستكبار. ومن المؤسف حقاً أن الحركة الشعبية لتحرير السودان، من أجل تنفيذ مخططها الهدّام، قد استقطبت بعض العناصر اليسارية من أبناء الجبال واستخدمتهم وقوداً للحرب ليقاتلوا ضد وطنهم الكبير السودان دون وعي منهم بما ينسج خلف الكواليس من مؤامرات تتزعمها سوزان رايس في مجلس الأمن وروجر ونتر في جوبا. ونحن نعلم تماماً أن هؤلاء لا يمثلون السواد الأعظم من إخوتنا الشرفاء من أبناء النوبة الذين لم يدنسوا أيديهم ولم يلطخوها بدماء الأبرياء من بني جلدتهم، ولكن هنالك نفر ينتهزون كافة المناسبات والفرص لإفساد وشائج الود والعلائق بين الناس. فوسط ذلك الجو الروحاني الأخوي الرائع، أبى أحد أعضاء الحركة الشعبية إلا أن يعكّر صفو الحضور بتوجيه اتهامات لا يسندها الواقع إلى حكومة السودان، متهماً الدولة باستخدام الأسلحة الفتاكة والكيمائية ضد «شعب النوبة» حسب زعمه، وأن الحكومة تجلب المرتزقة من تشاد ومالي وإريتريا لتمارس الإبادة الجماعية في جبال النوبة، وكل هذا محض افتراء، وتوعد من وصفهم بالمجرمين بتقديمهم للمحاكمة. إن ما يحدث في جنوب كردفان ما هو إلا حلقة من حلقات التآمر وفتنة تهدف إلى تفتيت السودان على أساس عنصري بغيض بغرض السيطرة على موارد البلاد الطبيعية من نفط ومياه ومعادن نفيسة، عبر دعوات لا يتمسك بها إلا ضعاف الإيمان والوطنية. إن بلادنا أيها الإخوة تمر الآن بمنعطف تاريخي خطير يتطلب ظهور الجياد الأصيلة والعناصر المخلصة التي ترسّخ مفهوم الإخاء وتقوي أواصر التواصل بيننا، حتى نحوّل ما يحدث من تحركات تسعى لضرب نسيجنا الاجتماعي إلى نصر ووحدة وطنية متينة تقوم على العوامل المشتركة بيننا من الدين والدم والثقافة والتراث والتأريخ والقيم والمصالح ووحدة الهدف والمصير وتبادل المنافع وتقاسم الثروة والسلطة وفقاً للدستور. وهنا نعيد إلى الأذهان تلك السيرة العطرة والمواقف الوطنية الصادقة التي خلّدت ذكرى عظماء من جبال النوبة كتبوا أسماءهم بأحرف من نور على صفحات النضال الوطني في السودان، من رجال ونساء شهد لهم الجميع بالفضل والصلاح، من مكوك وسلاطين تقلي والعباسية الذين نشروا الإسلام والوعي وعُرفوا بالكرم ونبل الأخلاق. ومن هؤلاء الفكي علي الميراوي في جنوب كردفان، وهو بطل قومي «تجاوز ارتداء جلباب القبيلة والجهة الضيق ولبس جلباب الوطن الواسع المتعدد». فقد شهدت جبال النوبة ثورته التي مثلت حراكاً سياسياً نفتخر به شمل الإرادة الجماعية لكل سكان المنطقة. ومن النساء الأميرة مندي بنت السلطان عجبنا بوصفها بطلة قومية قاومت الغزاة الإنجليز بكل شراسة وعزة نفس. والشرارة الأولى نحو الاستقلال كان قائدها أحد أبطال النوبة وهو الضابط علي عبد اللطيف الذي اختط منهجاً يُحتذى به للوحدة، لأنه عندما سئل عن قبيلته قال: «أنا سوداني». ولو استقل السودان حسب ما نادت به جمعية اللواء الأبيض لأصبح علي عبد اللطيف أول رئيس سوداني، لأنه كان في ذلك الوقت هو الزعيم الأوحد للأمة. ولا أحد يجهل دورالناظر كندة كربوس الذي استضاف الداعية الإسلامي الشيخ محمد الأمين القرشي في جبال النوبة. وكلنا يذكر نضال عمنا فيليب عباس غبوش، بالإضافة إلى مناضلين كثر منهم عباس برشم وعبد الرحمن شامبي في العهد المايوي. وغير هؤلاء من الكفاءات الوطنية في كافة المجالات والتخصصات العلمية والعسكرية والإدارية من جبال النوبة الذين أثروا الحياة السياسية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية وملأوا الساحة الوطنية، وليس منهم من دعا إلى عصبية أو جهوية. هذه النماذج الوطنية الرائعة والفذة هي التي أرست الدعائم الثابتة لوحدة الصف السوداني التي يحاول الأعداء اختراقها عن طريق الاتفاقيات المشبوهة، كتلك التي سعى إليها ياسر عرمان وبعض قادة التمرد من دارفور في كاودة، وهي أكبر دليل على التآمر ضد السودان، لأنها تدعو للاستعانة بالأجنبي وإشعال الفتن وإعلان الحرب ضد الدولة. إن جبال النوبة كغيرها من أقاليم السودان قد عانت من الإهمال والتخلف في كثير من المجالات، نتيجة لتراكمات الفشل عبر الحقب الوطنية المختلفة، إلا أن معالجة المشكلات لا يمكن أن تكون بالأسلوب الذي يدعو إليه قادة الحركات المتمردة ودعاة الفتنة. ونحن من هنا ندق ناقوس الخطر، وندعو لرفع سقف الانتماء ووحدة الصف ولم الشمل والحيلولة دون تنفيذ مخطط تفتيت السودان، ونريد من إخوتنا في جبال النوبة أن يكونوا كأسلافهم الذين أشرنا إليهم، ويمثلوا رأس الرمح في هذه الدعوة الوطنية، ونذكرهم وأنفسنا بقول الرسول الكريم «ص» عن العصبية «دعوها فإنها منتنة».