بواقع الحال والمعايير الدولية وتطبيق نظام الجودة في تقديم الخدمات الصحية والطبية في شكلها الأمثل، نستطيع أن نقول إن المنظومة الصحية بالبلاد بحاجة إلى مراجعات حقيقية في تطبيق المعايير الخاصة بالجودة بشقيها المباني «المنشآت» وكذلك المعاني «تحسين الخدمة الطبية عبر كادر مقتدر»، وذلك يشمل كل الدرجات الوظيفية العاملة في القطاع الصحي؛ لأن التصرّفات والاجتهادات من وظائف دنيا ربما تهزم الفكرة الكلية بما في ذلك ما أقدمت عليه الدولة من اهتمام بالمنشآت الصحية الحكومية!!. نموذج مستشفى الولادة أم درمان أو «الدايات» كما يحلو للبعض تسميته يعتبر واحدًا من المستشفيات التخصصية الرائدة ويمتلك خبرات ماهرة، كما أن الدولة من خلال المظهر العام ومحاولات تحسين بيئة العمل منحته أهمية واضحة، هذه الملاحظات أسردها من خلال المعايشة عن قرب خلال الأيام الماضية إذ كنت مرافقاً «لحرمنا المصون أثناء الولادة في الجناح الخاص» وخلال مدة تجاوزت الأسبوع من التردّد على معظم أقسام المستشفى فقد تمكَّنت من رصد جملة ملاحظات ربما مشاهدة ومعايشة للكل، وقصدت أن أشير إلى بعضها هنا مع الثناء على الحالات والمظاهر الإيجابية، غير أنني سأكون قارصاً.. بعض الشيء لأجل المصلحة العامة لبلادنا وصحة أمهاتنا وأبنائنا أجيال المستقبل؛ لأن من الأهمية بمكان أن يعرف الشخص مكان وبيئة الولادة ومدى مطابقتها أو اقترابها من المعايير والمقاييس التي يُفترض أن تتوفر في مستشفى الولادة التي تعتمد في الأساس على المهارة الطبية للكادر العامل والفرق المساعدة في الرعاية الصحية، وتكامل الأدوار مطلوب في هذه الحالة، والمهم أن تترابط الحلقات ما بين اختصاصيي الأمراض النسائية واختصاصيي التخدير وكذلك اختصاصيي الأطفال والقابلات فغياب أو تأخر أي من هذه التروس عن حركة دوران ماكينة المستشفى يؤدي إلى خلل ربما يصعب تداركه.. أولى الملاحظات في مستشفى الولادة أم درمان رغم الإقرار بدرجة العناية التي يوفرها المستشفى للأمهات والمواليد مقارنة ببقية المستشفيات العاملة في هذا المجال بشقيه العام والخاص نقول إن استقبال الولادة الخاص بالحالات العامة والطارئة بحاجة إلى مزيد من التهيئة تجنب الزحام فيه حالة غياب وأحياناً انعدام لوجود الاختصاصيين فالموجودون فقط«دكاترة» صغار العمر والتجربة «دكاترة» امتياز بخبرات ضعيفة وقدرات طبية لا تزال تركض للإمساك بالطريق السليم واكتساب المهارة. يوافقني البعض أن هناك حالات حمل معقدة تتطلّب إشرافاً مركزاً ورعاية بواسطة اختصاصي، وهناك بعض الحالات تكتنفها المخاطر، «ليست كل الحوامل يأتيهن المخاض سهلاً وميسراً بمقدور أي طبيب التعامل معه، وأظن أن المعنى واضح» وأحسب أن هذا الأمر ربما هو الذي أسهم في أن يقوم القطاع الخاص بالاستثمار في القطاع الصحي، ويعتبره البعض أمراً محموداً رغم ارتفاع تكاليفه مع ذلك لم يتمكَّن من منافسة مستشفى الدايات رغم الهنّات والملاحظات؛ لأن بالمستشفى «دكاترة» خبرة وأسماء لامعة تزيِّن قاعات كليات الطب بالجامعات، فكل المطلوب التركيز على المستشفى بذات التركيز على العيادات الخاصة، والدولة هنا عليها دور كبير في توفير البيئة الجاذبة للأطباء وتحسين أوضاعهم حتى يتفرَّغوا للمهمة ويعملوا بروح العمل انطلاقًا من الآية الكريمة: (ومن أحياها فإنما أحيا الناس جميعاً) «صدق الله العظيم» «سورة المائدة» الآية «32». القضية المحورية هي أن الخدمات الصحية كل لا يتجزأ «العنبر الصيدلية الإحصاء بيئة المستشفى وجود الطبيب الأمن والسلامة» كل ذلك يكمل بعضه بعضًا.. فمستشفى الولادة يشهد تطوّراً لافتًا في المباني لكنه بحاجة إلى تطوّر المعاني؛ لأن بعض الكفاءات المساعدة لا يتناسب أداؤها وشكل المبنى أو نظام العمل أو حتى مهنة العمل في الوسط الطبي الذي هو إنساني في مقامه الأول الإحصاء مثلاً في الدايات حركته بطيئة، «وشخصية طويلة القامة هناك تحاول إقناع الناس بأن الساعة الواحدة انتهاء الدوام» وأحياناً الشبابيك مغلقة لعدة أيام بحجة أن الدولة لم توفر شهادات الميلاد، وهنالك أناس قادمون من الأقاليم الإقامة عندهم مشكلة، وهنالك طالبات يردن شهادة الميلاد لتوفيق أوضاعهن مع امتحانات الجامعة، وإشكالات إنسانية لا تحصى يدوس عليها ذلك الرجل بكل بساطة.. المعمل كذلك رغم جهود الشباب والخبرات العاملة فيه هو بحاجة إلى تقنية إضافية تستوعب الطلب. مستشفى الولادة أم درمان لا يقارَن ببقية المستشفيات كما أسلفت من حيث البيئة والنظافة والسياسات وإجراءات التنظيم، فكلها عوامل كفيلة بالثناء والتقدير لكن التصميم المعماري للمستشفى يتطلَّب مراجعة، وأن تتم توسعته وعمل صالات إضافية للانتظار بدلاً من وجود الحوامل والمرافقين في الفناء وحرارة الشمس بسبب ضيق المكان.. تكدُّس الناس في الفناء الخارجي مظهر غير حضاري يتطلَّب صالات للزوار والمرافقين.. عنابر الأمهات في الدرجة لا يمكن أن تستمر على الحال الذي عليه الآن أن تنام ما بين «5 6» أمهات بأطفالهن في غرفة واحدة أمر يحتاج إلى دراسة ومعايرة للنظام الصحي الأمثل للأم والطفل حديث الولادة؛ لأن العالم قد تطوّر في صناعة الدواء والمستشفيات.. نحن في السودان يجب أن نذهب في هذا الاتجاه، وأن تنتشر الكفاءة الطبية في كل المناطق وأن يتخلى البعض من الأطباء عن أسلوب المقاولة والسمسرة «بالمناسبة قابلني طبيب يقاول في الكمبيالات».. نعم قد يقول البعض إن إمكاناتنا لا تسمح بالتطور المنشود لكنني أقول «بتسمح وزيادة».. خلاصة القول إن مستشفى الدايات أفضل بكثير مما يسمى بالمستشفيات الخاصة رغم الهنّات والملاحظات.. شكراً بروفيسور البحر على هذا العمل، شكراً بروف طه أمبلي، شكراً لكل الكوادر العاملة، شكراً لفريق الجناح الخاص، فقد لاحظت عدم التمايز بين الجميع، شكراً العاملين في التأمين وشباب شوامخ الذين يسهرون لأجل راحة الناس، رغم أن التأمين الصحي ولاية الخرطوم عليه أن يقيم في كل حارة أو زاوية صيدلية بدلاً من هذا الشح في الصيدليات والمعاناة التي رصدتها.. ثم لماذا عدم التعاقد مع الصيدليات الخاصة المنتشرة في كل مكان!!.