إن هذه السلسلة، ستظل تتواصل في حلقات، لتتحول إلى كتاب في شكل قصة توضح ماهي أولويات العمل في ولاية الخرطوم، حسب برنامج الحزب الحاكم، وإلى أي مدى تم الالتزام بالخطة الإستراتيجية وما هي درجة الانحراف عنها وماهي الأسباب؟ ومن ثم النظر فيما إذا كانت تلك الأسباب ذات مبررات أو أننا نضع خطة في اتجاه ونسير في اتجاه آخر، ليس بسبق الإصرار والترصد، ولكن لأن ثقافة الإستراتيجية لم تتجذر بعد في عقيدة المخططين والمنفذين على حد سواء. ويتضح جلياً أن مجلس التخطيط الإستراتيجي لولاية الخرطوم قد ظل يعمل الخبراء فيه بنهج عملي، استصحب معظم الجوانب المتصلة بالتنمية والخدمات وشؤون المجتمع، وعلاقات الحاكم بالمحكوم، ولم تهمل الثقافة والفنون وغيرها من أنشطة تستلزم وضع اللبنة فوف اللبنة والبناء على قاعدة صلبة تضمن استمرار البناء ليتحول إلى برج عالٍ مزودٍ بما يتطلبه الظرف الراهن من وسائل للراحة وغير ذلك من معينات وتسهيلات. وفيما يبدو، أن التخطيط الحضري للعاصمة يصطدم بعدم قدرة الولاية على إقناع مُلاك الأراضي والعقارات بوسط العاصمة لإزالة مبانيهم، وذلك لأن الولاية وفقاً للظرف الاقتصادي، لا تستطيع دفع تعويضات مجزية تمكنها من توسعة الشوارع، بالإضافة إلى أن عقدة عدم التخلي عن الأرض تمثل عقبة كؤوداً أمام كل الأنظمة المتعاقبة، ولم يفلح في هزيمتها سوى الدكتور/ شرف الدين بانقا الذي انتصر على من كانوا يدعون بأن «السُفلي» سيطيحه عندما عزم على نزع «عشش فلاته» التي كانت تقبع في أهم موقع بالعاصمة، ولم يتردد في هدم بناياتها وعششها المتهالكة، وبالرغم من أنه حسب القول الجاري على الألسنه، قد «دقس» عندما قرر تعويض عشش فلاتة في مكان إستراتيجي بالركن الجنوبي للمدينة الذي تساوي قيمة المتر المربع فيه اليوم بملايين الجنيهات لكنه نجح في المواجهة والتنفيذ. والتخطيط الإستراتيجي لمدينة مترامية الأطراف تسكنها فئات متباينة في دخولها، ومقدسة لقيمة الأرض، تبدو مهمة عسيرة ما لم يتصدَّ له ذو قوة وعزيمة، في مقدمتها المقدرة المالية على التعويض، وعنصرها الثاني الإستطاعة في نشر ثقافة عدم مواجهة السلطة إذا أرادت تحقيق مصلحة عامة، لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وفقاً لقواعد الفقة الإسلامي التي لا تحتمل المجادلة والمماحكة من قبل من يؤمنون بدين الإسلام بهذه الولاية، فهناك ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة، عندما نلقي نظرة عجلى لغرب أم درمان، لكن الولاية ظلت عاجزة عن إقناع سكان تلك المنطقة من العرب الرحل بمنح هذه الأراضي الخصبة للمستثمرين فاصطدمت الولاية ووزارة الزراعة فيها باحتجاجات وأخذ وردٍ ومدٍ وجزر، ووسط هذا الهرج والمرج، تبقى ملايين الأفدنة بلقعاً بالرغم من أنها كان بالإمكان أن تتحول إلى حقلٍ واسع للمراعي والبستنة وإنتاج مختلف أنواع الغلال والبقوليات، ليتم قتل الجوع والفقر ويصبح غيباً بعد الذي نراه بعيوننا من شح في سلع الغذاء. وتظل الخطط الإستراتيجية في وادٍ والثقافة للمواطن في وادٍ آخر، ولا ندري متى سيُلغى مثل هذا المنهج إذا دام هذا النمط من التفكير.