تنتظر منطقة وادي النيل وبعض دول المغرب العربي وما حولها، تطورات جديدة على صعيد توحد الإرادة والتوجهات السياسية، خاصة بعد وصول التيار الإسلامي في مصر إلى قمة هرم السلطة، وقيادة الحركات الإسلامية لحكومات بلادها في تونس والمغرب، وستلحق ليبيا بالركب عقب انتخاباتها المقبلة التي يعتقد أنها ستحسم لصالح هذا التيار بعد سنوات طويلة من التنكيل والسجون والسحل خلال فترة حكم القذافي التي استمرت أكثر من أربعين سنة. وتصدق مقولة إن دورة جديدة في التاريخ دارت عجلاتها، وقامت تحديات في المنطقة تتصدى لها القوى الإسلامية وهي في السلطة بعد أن عاشت لعقود طويلة في مرحلة المنافحة والمدافعة، وقد جرّبت المنطقة مختلف التجاريب للتيارات العلمانية والاشتراكية التي سقطت أطروحاتها وأخفقت في تحقيق تطلعات الشعوب وعجزت من أن تقدم أنموذجاً للنهضة والحرية والانعتاق من ربقة التبعية الفكرية والسياسية. وغير خافٍ على أحد أن التيارات العلمانية في المشهد السياسي المصري ومن خلال الانتخابات الأخيرة، كانت الأخفت صوتاً والأقل رصيداً في مواجهة القضايا المصيرية، والأكثر تناغماً مع الخط التراجعي إلى حضن النظام السابق بكل تجليات خيباته السياسية والاجتماعية، وإن بدا نذر قليل من هذا التيار يقف مع الخط الرئيس للثورة المصرية. وأبانت المعركة الانتخابية المصرية وخلال الفترة الانتقالية منذ إزاحة وخلع حسني مبارك من السلطة، مواقف متأرجحة للتيار العلماني المصري، خاصة الشيوعيين المصريين والنخبة المتأمركة في أرض الكنانة، فهم لم يكونوا مع توجهات وحقائق الثورة المصرية بالكامل، وأعلن بعضهم مساندة الطرف الآخر المتمثل في رموز النظام السابق، وبلغت الحَيرة أقصاها عندما كانت هذه النخب العلمانية في مختلف المجالات تحاول إثارة الشكوك حول برنامج حزب الحرية والعدالة ومرشحه الذي فاز برئاسة الجمهورية، وثارت أغبرة كثيرة حول قضايا الحريات والتباين الديني وحقوق الأقليات والتمييز ضد المرأة والفن والسياحة والعلاقات الخارجية بمساعداتها ومنحها، وكأن الدولة المصرية ستسقط صريعة غداة انتخاب التيار الإسلامي وجلوس رموزه على سُدّة الحكم. لكن الحقيقة أن هذه النخب والمجموعات العلمانية المنكسفة عنها شمس الجماهير، وهي تفشل في مواجهة رغبة الشعب المصري في العودة لجذوره وتاريخه وقيمه وأخلاقه تعجز أيضاً في الحفاظ على مصداقيتها بادعاء الديمقراطية وقبول الآخر والتحلي بأخلاق رياضية بعد الهزيمة في حلبة السياسة. والظاهر أن النضج السياسي للفريق المنتصر في الانتخابات، وقدرته على إنتاج خطاب وطني متفق عليه مع التمسك بثوابت لا خلاف ولا تفريط فيها، ووضوح الرؤية، سيعجل من تحقيق أهداف الثورة المصرية ويدفع بها نحو أفق آخر هو العمل مع محيطها العربي لصياغة الواقع الجديد في المنطقة والتنسيق لأوضاع مختلفة عن السابق سيكون لها نتائج إيجابية على وحدة شعوب لمنطقة وتوحد إرادتها وقوة دورها المرتقب في العالم اليوم وهو عالم لا يعرف إلا القوي ولا يحترم إلا المتمسك بتوجهاته الحضارية ويعمل لصالح أمته. ولذا فإن ما بعد التغيير الحالي في مصر، يرتجي على المستويين العربي والإفريقي رؤية ودور جديد لمصر التي غفلت عن إفريقيا وانشغلت بأدوار لا تشبه تاريخها في الفضاء العربي وقضاياه، وكان نظام مبارك مجرد سمسار في رصيف سوق القضايا العربية حتى نافسه آخرون وأخرجوه من الساحة وأبعدوه من اللعبة. وتستطيع الإرادة السياسية الموحدة والتوجهات المشتركة والشعارات المتقاربة والمرادات المتآزرة، أن تحقق التطلعات في التعاون الاقتصادي في مجالات الاكتفاء الذاتي من الغذاء والطاقة واستيعاب الأيدي العاملة وتكامل الموارد وقوة الاتصال والتواصل والاندماج الحيوي في منطقة تتحدث لغة واحدة وتدين بدين واحد وتحمل ثقافة واحدة.. وهذه الخصائص هي سمة الأمم العظيمة التي تصنع النهضة وتغيِّر مسارات التاريخ.