(مارجريت)... كان فأس ما بتكسر الرأس! في إحدى حلقات برنامج (مسرح على الهواء) الذي تبثه قناة النيل الأزرق، وقفت جمهرة من الناس أمام مدرسة (القابلات) بأم درمان تتجادل حول أيُّهما أفضل (الولد) أم (البنت). كما وقفت تلك الجمهرة من الناس تجيب على السؤال ما رأيك في القول (البنت كان فأس ما بتكسر الرأس). خلاصة تلك الحلقة في البرنامج التلفزيوني، أن بعض السودانيين لم يحسموا بعد ترددهم عن مكانة (البنت). حيث لا يزالون في أوهامهم التقليدية عن (عالم الرجل) و (مكان المرأة). لا يزالون في ريبهم يتردَّدون، بأن (البنت) أدنى إنسانية من (الولد)، مع أن (الولد) و(البنت) من نفس واحدة، وأن الله تعالى نفخ في (البنت) من روحه، كما نفخ في (الولد)، مع أن الحديث الشريف أرشد أن إذا وضعت المرأة ولداً أم بنتاً، أقبلت الملائكة تزف البركة زفاً. إذ لا يزال البعض من السودانيين لم يتمتع بعد بيقين راسخ، بأن (البنت) هي مورد بشرى إنساني ثمين. لذلك لا تزال (كتائب الثقافة التقليدية) تقصفها من كل الجهات براجمات الأفكار البائدة والممارسات الخاطئة، من نظرة (دونية) و(خفاض فرعوني) وكسر شخصيتها و(قهمها) واستضعاف فكرها وإهدار إنسانيتها، وغير ذلك. لكن الصورة تختلف عن اللواء طيار (مارجيت وود وارد) التي قادت الحرب الجوية ضد القذافي وطائراته ودفاعاته الجوية وصواريخه ومدفعيته الثقيلة. حيث أشرفت على عملية الحظر الجوي فوق ليبيا. حيث تمَّت (1400) طلعة جوية، دفعت قوات القذافي إلى التراجع من بنغازي إلى (سرت). تلك مسافة (570) كيلو متر. اللواء طيار (مارجريت وودوارد) سيدة في الحادية والخمسين من العمر. سبق لها قيادة طائرات حربية وأسراب مقاتلة. تخرَّجت (مارجريت) من جامعة (أريزونا ستيت) عام 1982م. وحصلت على شهادات عليا من (الجامعة العسكرية الوطنية) بواشنطن وجامعة (إيمبري- ريدل) في (ديتونا بيتش) بولاية (فلوريدا). إلتحقت (مارجريت) بسلاح الطيران عام 1983م، عندما كان غير مسموح للفتيات بقيادة الطائرات المقاتلة. ولكن ذلك تغيَّر بمرور الوقت. زوجها (دان) عميد طيار. عند غزو (بنما) عام 1989م أشرفت (مارجريت) على تزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو. كما أشرفت عام 1999م في (كوسوفو) كذلك على تزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو. كما قادت مهام إعادة تزويد الطائرات المقاتلة بالوقود أثناء الطيران في العراق وأفغانستان. وصلت حصيلة ضابطة سلاح الطيران (مارجريت) إلى (4000) ساعة. ثمَّ تمَّ اختيارها لقيادة قاعدة (ماكديل) الجويَّة في (تامبا) بولاية فلوريدا. تلك إحدى أهم القواعد الجويَّة الأمريكية للنقل الجوي وتزويد الطائرات بالوقود في الجو. إكتسبت اللواء طيار (ماجريت وود وارد) جدارة جديدة بقيادتها فرض حظر الطيران فوق ليبيا. خلال مسيرتها في عملياتها العسكرية الجوية، كانت (مارجريت) تصادف أحياناً زوجها (دان) مشاركاً في العملية كواحد من ضباط القوات الجوية المشاركة. اللواء طيَّار (مارجريت وود وارد) درس بليغ للثقافة السودانية التقليدية البدوية. الثقافة التي لم تسمع حتى الآن ب (ڤالنتينا تيريشكوفا) أول أمرأة رائدة فضاء انطلقت عام 1963م على متن المركبة الفضائية الروسيَّة (فوستوك 6) اللواء طيَّار (مارجريت وود وارد) درس بليغ للثقافة السودانية التقليدية البدوية. ثقافة الهودج والنقاب والخفاض الفرعوني والإعاقة الاجتماعية والفكرية، ثقافة (مارجريت) كان فأس ما بتكسر الرأس!. القصة الثانية: المناضل (أبو كراع) يشتري عربة (كارو) بحصانين وطني من مشاهير أقطاب الحزب الإتحادي الديمقراطي. عصامي من الدرجة الأولى. بدأ حياته تاجراً صغيراً، ثَّم أصبح من الناجحين في عالم المال والاعمال. ولِد الحاج مضوي محمد أحمد في (العيلفون). وبدأ دراسته في الخلوة ثم (الكتاتيب) أي مدارس مراحل الأساس. ثم دخل مدرسة السياسة الوطنية في أزهى عهودها بقيادة الزعيم اسماعيل الأزهري ومبارك زروق ويحيي الفضلي وخضر حمد ومدثر البوشي ومحمد أحمد المرضي. في طفولته لعب (حاج مضوي) لعبة (التِّيوَة) أي كرة القدم و (حرِّينا) و (الرِّمَّة وحرَّاسها) والبقرة الشوش. قال حاج مضوي عندما دعا خريجو كلية غردون وجامعة بيروت لقيام مؤتمر الخريجين عام 1938م، بدأت المشاركة في السياسة، ولكن ليس متفرِّغاً. حيث ظللت أمارس نشاطي التجاري، ومن بعد العمل السياسي. قال حاج مضوي وقد سُمِحَ حينها لكل من يفك الخط، أي يعرف القراءة والكتابة، بأن يُعتبر (خِّريج). وقد دخلنا عضوية (نادي الخريجين) من هذا الباب. تميَّز حاج مضوي بوفاء كبير لأبي الوطنية السودانية اسماعيل الأزهري، وقد ظل دائماً يذكر المقاطعة التي أعلنها لمؤسسات الحكم الثنائي. قال حاج مضوي إن مقولة الأزهري ما تزال ترن في الآذان (لن ندخلها ولو جاءت مبرأة من كل عيب)، أي مؤسسات الحكم الثنائي. ومن الأحداث التي يتذكرها حاج مضوي حادثة انعقاد مؤتمر (باندونج) في أندونيسيا، والذي شارك فيه الرؤساء نهرو وتيتو وعبد الناصر وسوكارنو. وحضر الرئيس اسماعيل الأزهري مؤتمر باندونج كمستمع. ويستطرد حاج مضوي قائلاً وعندما ذكِر اسم السودان حاول الرئيس عبد الناصر التحدث باسم السودان ومصر، ولكن طلب الأزهري الإذن بالحديث فأعطيت له الفرصة فوقف وفي يده قطعة قماش بيضاء وقال لقد جئناكم بقطعة بيضاء نطالب باستقلال بلادنا. وعندما انتهى المؤتمر سارت مظاهرات ضد الأزهري في مصر باعتباره قد خان وحدة وادي النيل. في ذكريات الراحل حاج مضوي محمد احمد حكى تفاصيل دخوله العمل التجاري، وكيف أصبح واحداً من رجال المال والأعمال. قال كنت وقتها أعمل صبياً مع أعمامي في التجارة. ثم اشتريت عربة (كارو) بحصانين. وعندما توفَّر لدي مبلغ من المال، بدأت عملاً تجاريا شراكة بيني وبين عمِّي (تجارة قطاعي)، ثمَّ اشترينا لوري (بدفورد) أي (سفنجة) بالأقساط. دفعنا القسط الأول (70 جنيه) ثمَّ الأقساط الشهرية بواقع عشرة جنيهات كل شهر. وبدأنا باللوري تجارة بين الخرطوم والحصاحيصا وتمبول و (دلَّوت) في منطقة شرق الجزيرة. وأصبحت لدينا بعد ذلك أربعة لواري. وفي الحرب العالمية الثانية عندما انعدمت الإسبيرات دخلنا في عمل (الدلالات) مع النقل الميكانيكي. وبعدها بدأنا في استيراد الإسبيرات التي تخص عربات (الفورد) و(الأوستن). وكانت ترِد إلينا بعد الإتصال بالوكلاء وتصل عن طريق البنك. وأخيراً حصلنا على توكيل إطارات من ألمانيا وتوكيل زيوت من انجلترا، ثمَّ حصلت على محطتي خدمة، أي (طلمبتين) بنزين لشركة النيل (توتال)، واحدة بالخرطوم (3) والثانية بالسجانة. عن تجاربه في السجن يقول حاج مضوي دخلت السجن اول مرة عام 1971م، واتهِمت بمحاولة انقلاب عسكري مع مزمل غندور ونجيب الفكي أحمد. وتكرَّرت الإعتقالات خلال العهد المايوي، وحُكم علىَّ بالسجن خمسة سنوات ولم أكملها. وأطلق سراحي بعد المصالحة الوطنية عام 1977م. خلال معارضته الحكم المايوي كان حاج مضوي يستخدم إسماً حركياً هو (أبو كراع). وقد اكتشفت السلطات الامنية الإسم الحركي في مفكرة توفيق صالح عثمان صالح أحد قيادات الحركة الإسلامية. كان حاج مضوي يحب السودان كثيراً. عاش فيه كثيراً وناضل من أجله كثيراً. ولكن ما تدري نفس بأي أرض تموت. فقد انتقل حاج مضوي إلى رحاب الله وهو خارج السودان، مثلما رحل العديد من الرموز خارجه. فقد رحل إلى دار البقاء وهم خارج السودان الشريف حسين الهندي ومحمد يوسف محمد (المحامي) والسيد أحمد الميرغني وأحمد سليمان المحامي والبروفيسور علي المك والمفكر بابكر كرار وصلاح أحمد إبراهيم (الشاعر) ود. عز الدين علي عامروالسيد محمد إبراهيم نقد والسفير علي عبدالرحمن نميري والدكتور بهاء الدين محمد إدريس، وغيرهم. كان حاج مضوي رجل عائلة من الدرجة الأولى. وحين يذكر أولاده يقول الحمد لله ضهري محمي. وتبدو عليه سعادة خاصة وهو يحكي عن زواجه، إذ يقول المهر الذي دفعته في زواجي كان (تلاتة جنيه). حاج مضوي محمد أحمد أحد مناضلي الحركة الوطنية العتاة، وأحد أباء الوطنية السودانية. ألا رحمة الله الواسعة عليه.