يحاول مالك عقّار، الذي يبدو أنه قد اتخذ صفة من اسمه ، أن يظهر بأنه منقذ الملايين المهمشة بتغمص شخصية عرّابه جون قرنق الذي أبرزه لعالم التمرد والسياسة بعد أن كان شخصية مغمورة لا يأبه لها أحد. فبمساعدة ودعم من قرنق شارك عقّار في قيادة قوات الحركة الشعبية التي كانت تقاتل على الحدود بين السودان وإثيويبا حتى صار واحداً من أكبر قادة التمرد. الشيء اللافت للنظر أن الرجل ظل يكنُّ عداءاً سافراً للشمال ويسعى للكيد لحكومة الخرطوم حتى بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل وتدبير توليه لرئاسة ولاية النيل الأزرق. وهو من الذين ينادون بفكرة السودان الجديد التي تقوم أساساً على علمانية الدولة وإمكانية خروج العرب من السودان كما أٌخرجوا من الأندلس قديماً وهي بالتالي فكرة عنصرية كريهة تزرع الأحقاد وتسعى لضرب النسيج الوطني وتقسيم البلاد و والعباد على أساس قبلي وإثني يخدم مصالح أعداء السودان من أسياد مالك عقّار وأمثاله. ولو أن مالك عقّار قرأ تأريخ الفونج الذين كان يحكم منطقتهم لوجد أن الأمر جد مختلف. ذلك لأن مملكة سنار أو سلطنة الفونج كانت تقوم على ركيزة قوية هي توحيد الصف الوطني دون عنصرية، وحكمت وعاشت تحت راية الإسلام والعروبة، ومن أجل ذلك التف حولها الناس وخضعوا لسلطانها» إن مملكة الفونج أو السلطنة الزرقاء الإسلامية التي قامت في وسط السودان وامتدت قروناً ونشرت الثقافة العربية الإسلامية في أول اتحاد بين العرب والسكان الأصليين، تعدُّ أول مملكة إسلامية قوية ذات شوكة وسلطان واقتصاد مستقر قائم على الزراعة في وسط السودان؛ وبهذه الأبعاد فإنها قد أرست دعائم القومية والثقافة السودانية وقيمها التي كانت لها آثارها العميقة في تشكيل الهوية الثقافية للبلاد وتكوينها القومي». إلا أن أذناب الغرب والصهيونية العالمية يتجاهلون كل هذه الحقائق ويسعون لتفتيت السودان إلى دويلات على أساس عنصري وقبلي بدعوى التجديد الذي لايعني غير التخريب في حقيقة الأمر. و لذلك لم يفاجأ أحد بالحرب اللعينة التي سعى إليها مالك عقار والحركة الشعبية في النيل الأزرق لتقضي على الأخضر واليابس وتفرّق الناس وتجني الولاية من السلام الحرب والدمار، وكل ذلك إنّما لمصلحة جهات أجنبية وأشخاص ذوي طموحات هدّامة لا تخدم الوطن ولا المواطن. وأعجب لشخص ارتضاه أحفاد عمارة دنقس وجعلوه والياً عليهم وهو ينقاد للرويبضة ياسر عرمان ويتآمر مع متمردي دارفور ودولة الجنوب الفاشلة؛ ولذلك يجب عدم السكوت على هذا التصرف ولابد من فضح تحركات بقايا الحركة الشعبية في الشمال لأنها لا تملك أي مسوّغ دستوري أو قانوني يجيز لها ممارسة العمل السياسي بعد انفصال الجنوب. ولو كان الأمر بيدي لجعلت من الحكومة القائمة في الخرطوم حكومة حرب حتى تضع الحرب أوزارها ويستتب الأمن في كل ربوع البلاد وتعود للدولة هيبتها وسيطرتها على الأوضاع كافة ويرضخ كل متمرد لسلطان الدولة والنظام. هل يا ترى يريد هذا الرجل، الذي أعمته السلطة وأغراه التمرد، أن يفصل النيل الأزرق مستفيداً من نصوص اتفاقية نيفاشا التي أعطت المنطقة حق المشورة الشعبية وهو من أجل ذلك يمد حبال الوصل مع دولة الجنوب وإسرائيل ويجتمع مع المجرم عبد العزيز الحلو وهو ما يزال ضمن حكومة الشمال؟ هؤلاء الناس لا يؤمن لهم جانب ما داموا على ارتباط بدولة أجنبية يتولى إدارتها أمثال باقان أموم الذي يملأ الحقد قلبه ويسعى لرمي السودان في البحر لو استطاع إلى ذلك سبيلاً.الأعجب من ذلك كله موقف الحكومة والطريقة التي تتعامل بها مع أمثال هؤلاء المتمردين الذين يتحدونها جهاراً نهاراً؛ إذ يتبجح عقَار ويعقد ياسر عرمان المؤتمرات الصحفية، ويهدد الحلو بإشعال فتيل الحرب في كل المناطق الطرفية ويتوعد بتقسيم ما تبقى من السودان إلى سبع دويلات، ومع ذلك تسعى الحكومة لإرضائهم والتفاوض معهم إن هذا الصنم الذي اسمه عقّار، في نسخته الحالية، قد صنعه المؤتمر الوطني ويجب عليه أن يهدمه قبل أن يستفحل أمره ويتحول إلى سرطان أو جسم قريب يصعب التعامل معه. أخيراً نقول للوالي المتمرد، إن سلطنة الفونج لم تتعامل مع عدو بل مدّت جسور الوصل مع مراكز الحضارة في كل من مصر فأنشأت رواق السنارية في الأزهر الشريف، وتعاملت مع الحجاز وأرسلت الوفود إلى كانم وبرنو وضمت الشرق وكردفان ولم تسعَ لجلب السلاح من إسرائيل لقتل الناس وإخراجهم من ديارهم بغير ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله. فماذا أنت قائل لعمارة دنقس إذا لقيته غداً؟ ألا تستحي من هذه التصرفات الرعناء يا عقّار؟ أرجو أن تقرأ تأريخ تلك السلطنة العظيمة التي علّمت الناس أمور دينهم وشجعت الزراعة وصناعة الدمور فأطعمت الجائع وكست العاري وكانت بذلك واحدة من أعظم الممالك في السودان، لا تقتل الناس بل تسوسهم بالحكمة وحسن التدبير.إن الشعب السوداني لا يريد الحرب ولكنه لا يخشاها إذا فرضت عليه؛ فقد خاض حروباً ليس فيها إلا الصبر عند اللقاء والعفة عند المغنم سجلها التاريخ والشعر القومي؛ وإن أحفاد النجومي وأخوان علي عبد الفتاح ما تزال أيديهم على الزناد، ولا يخيفهم صوت الرصاص، بل يطربون لأزيز المدافع وإن الله لناصرهم ولا نامت أعين الخونة والمتمردين.