هكذا دائماً أعداء الملة والدين، كان اغتيال أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وأمير المؤمنين سيدنا عثمان ذي النورين، وأمير المؤمنين سيدنا علي الكرار، وفي آخر أيام العهد الأموي كان اغتيال أمير المؤمنين مروان بن محمد، وكان اغتيال آخر خليفة عباسي، وكان التآمر على خلفاء الدولة العثمانية منطلقاً من مصر، حيث كانت الثغرة التي أوتيت منها الدولة الإسلامية العثمانية. وكان التآمر على دولة الخليفة عبدالله التعايشي في السودان تآمراً مزدوجاً بين عناصر محلية وأخرى خارجية، كما غطت وقتها صحيفة (العروة الوثقى) التي يترأسها جمال الدين الأفغاني. ورب سائل يسأل ويقول: أليس هناك من تعرضوا للاغتيالات من غير الزعماء والحكام الإسلاميين؟.. والاجابة هي: أن أولئك إما تعرضوا لها من أجل نصرة الدين، وإما لأنهم ظالمون.. ورب سائل آخر يسأل ويقول لماذا لا يكون قتل الحكام الإسلاميين بدافع أنهم ظالمون ؟! والاجابة هي أن كل الدوافع التي وقفت وراء اغتيالاتهم لا تشير إلى أنهم ظلموا أو جاروا أو طغوا أو تجبروا، وإنما جميعهم يتفقون على إعلاء كلمة الله وإسفال ما دونها من عقائد فاسدة.. فمثلاً كان اغتيال سيدنا عمر بن الخطاب على يد المجوسي أبي لؤلؤة الفارسي، لأن أمير المؤمنين نقل بلاد فارس بعد فتحها، من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وأطفأ نار المجوس.. وكان التآمر على آخر خليفة عثماني لأنه رفض استضافة اليهود في أرض فلسطين، وردّ طلب زعيم الصهيونية التاريخي تيودور هرتزل.. أما الخليفة عبدالله فكان يريد إعادة صياغة الدولة الإسلامية بعد أن تآمر الإنجليز واليهود عليها في مصر. الآن وبصريح العبارة فإن الخبر الذي نشرته صحيفة (الشرق) السعودية حول مخطط لاغتيال الرئيس السوداني عمر البشير، جاء فيه أن اغتيال المشروع الإسلامي والعروبي في السودان هو الذي زرع الرغبة في إجراء مخطط لاغتيال البشير. ويقول الخبر إن المخطط من تدبير حركة مناوي الدارفورية المتمردة بالتعاون مع دولة أجنبية معادية.. طبعاً هذه الدولة يمكن أن تكون «جنوب السودان» أو أن تكون يوغندا، أو إسرائيل وربما تكون كينيا، إذا وضعنا في الاعتبار أن المكلف بمهمة الاغتيال هو مواطن كيني كما جاء في الخبر.. ويمكن أن تكون كل هذه الدولة مشتركة في المؤامرة. وكلها كانت تدعم التمرد في جنوب السودان. وكانت إثيوبيا تدعم في عهد منقستو هايلا ماريام، وكانت أريتريا تدعم في عهد «نشاط التجمّع» وكانت ليبيا تدعم في عهد فرعونها القذافي، ذاك التمرد. لكن يبقى السؤال المهم هو هل يعني اغتيال البشير اغتيال المشروع الإسلامي والتوجه الإسلامي؟! هل أفلح أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي في هدم الدولة الإسلامية بعد أن أخذ بثأر أهله من سيدنا عمر هادم ملك كسرى ومطفئ نار المجوس؟! هل انتصر اليهود على الدولة الإسلامية بعد أن قتل ممثلهم عبدالله بن سبأ، سيدنا عثمان ذي النورين؟! إن الرئيس البشير نفسه يؤمن بأن له أجل كغيره، ويطمئن لوجود قادة إلى جانبه، فهم خلفاؤه في المسيرة طالما أن الحظ يحالفهم في الإنتخابات.. وليس السودان وحده، فكذلك مصر وتركيا وتونس و فلسطين وليبيا بإذن الله..وتلك بوارق الأمل في سوريا وغيرها من الدول المنكوبة حالياً بالطغيان والدكتاتورية والطائفية. إذن لماذا يكون استهداف البشير - و هو فرد- إستهدافاً لنظام حكم منتخب وتشارك فيه أحزاب وجماعات إلى جانب الحزب الحاكم؟! هل تريد حركة مناوي التشفي فقط. إن تغيير الأنظمة كان يتم في بعض الدول بواسطة الجماهير، وليس بأسلوب اغتيال الأفراد.. وقد أتى اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بحسني مبارك على كرسيه وكان أسوأ منه، وتورطت أسرته وحاشيته في قضايا فساد فاحش. وبعد اغتيال رونالد كابيلا رئيس الكنغو حكم البلاد ابنه جوزيف كابيلا.. لذلك فإن التخطيط لاغتيال فرد حاكم أو زعيم، حاكم مثل سيدنا عمر وزعيم جماعة مثل بن لادن لايعني اغتيال مشروع سياسي أو جهادي أو دعوي، وإنما فقط يعني التشفي، سواء كان آيدولوجيا أو عنصريا أو سياسياً، لكن اغتيال قائد حركة متمردة يختلف طبعاً لأنه قاتل للأبرياء وإن حركته تمارس النهب والسلب في الأسواق وفي أماكن التنقيب الأهلي عن الذهب وغيرها.