يبدو أن البرنامج الإقتصادي الإسعافي الثُلاثي«2012 -2014م» الذي إتبعته الدولة، والقائم على أربعة محاور أساسية لإدارة إقتصاد البلاد في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الزمان، بحاجة إلى مراجعة شاملة، كما أن منهج معالجة ما تعرضت له الميزانية من خلل إقتصادي نتج عن إنفصال الجنوب وفقدان الموازنة لعائدات النفط. هذه البرامج والمعالجات قد وضعت البلاد على المسار الصحيح لكن ثمارها لم تؤكل بعد وهي تحتاج بصدق إلى مراجعة أمينة من اللجنة القائمة على أمرها،لا سيما محور الزراعة والسياسة النقدية، لأننا الآن فى بداية الخريف وهناك نذر فشل الموسم الزراعى قد بدأ الحديث عنها برغم الأمطار المبشرة والتمويل المتوفر للزراعة، ومن هنا فإن الخطة والإجراءات المتعلقة بزراعة القطن كصادر أساسي مثلاً بحاجة إلى تنظيم يوقف سيل المخاوف لدى المزارعين خاصة جدل ما يسمى بالقطن المحور وراثياً ..الحقيقة هناك (غباشة) فى الرؤية مما يتطلب تعريف أكثر بمحاور البرنامج الثلاثي وما حققه من أرقام إيجابية فى الواقع لأنه وفى قطاع الثروة الحيوانية فقط قد تحقق نسبة»60 % « من المخطط والمرسوم فى الخطة الإستراتيجية ولم تر هذه الأرقام المساحة الكافية. و بالمقابل هناك قصور فى بعض محاور البرنامج مثلاً السياسة النقدية لم يتمكن بنك السودان من السيطرة على سعر الصرف والتحكم في النقد عبر مُراقبة مؤشرات أداء الإقتصاد الكُلي، الذي تداعياته إنسحبت على كل شي فى حياتنا، وهذا الأمر يتضح فى التضارب فى سعر التركيز للمحصولات الصادرة من وزارة التجارة، كما أن وزارة الزراعة الإتحادية مطالبة بتقديم تقرير واف يكشف أوجه التقدم، وأوجه القصور ومعرفة الأسباب التى جعلت عائدات حب البطيخ والكركدي تتجاوز عائدات محصول القطن الذي هو المحصول النقدي الميسر له من قبل الدولة تمويلاً ورعاية! هذه المفارقات موجودة فى الأضابير وحبيسة الأدراج بمكاتب الوزراء والمسئولين , وليس هناك من بيده التغيير أكثر من النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ على عثمان محمد طه الذي عكف جاداً على مراجعة الملفات الإقتصادية والإشراف على مشروع النهضة الزراعية، الذي يشمل قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية ،رغم الملاحظات عليه ..لابد من مراجعة وترتيب أولويات البرنامج الثلاثي لوضع الرؤية المناسبة لكل محصول وترتيبه فى جدول الإهتمام من حيث التنفيذ والجدوى الإقتصادية والعائدات حسب القيمة الإقتصادية للمحصول الطلب العالمي له ..ضعف الإنتاج فى القطن يجلب مخاوف الناس من الفجوة المتوقعة لزيوت الطعام. وهذا يجعلنا نسأل ببراءة هل نحن بحاجة ضرورية للتوسع فى زراعة زهرة الشمس والفول السودانى وكذلك السمسم وذلك لتوفير حاجة الإستهلاك المحلى قبل التفكير فى الصادرات وجلب العملة الصعبة. الأوضاع الحالية تستوجب من كل مسؤول المكوث فى مكانه وسد ثغرته بدلاً ما نسمع عن خطوات البعض وطلب الإجازات السنوية كما فعل السيد وزير الزراعة الدكتور عبد الحليم المتعافى الذي أشيع بأنه قد أخذ إجازته والدنيا خريف، كما أن هذا الأمر إذا حدث يعتبر لافتاً ومحل سؤال للمهتمين أن يأخذ وزير الزراعة عطلته فى موسم الخريف والناس مقبلة على بداية الموسم. حتى الآن الصورة غير واضحة فى ما يختص بمحصول القمح للموسم الجديد، وأن مصيره مجهول. برغم أن مفردات البرنامج الثلاثي وما يخرج من إجتماعات اللجنة المعنية بالأمر يدعو للتفاؤل والإرتياح، لكن بعض التصريحات المتعجلة لبعض المسئولين ربما تشوش على الرأي العام وتسهم بشكل كبير فى تغبيش الحقيقة على المنتج والسوق. الواقع الإن يتطلب حملة كبيرة لتطوير البنية الإقتصادية الحقيقية، وتقوية المصادر والروافد الحقيقة للإقتصاد الوطنى، حتى تتمكن البلاد من إمتصاص أي زلزلال أو أزمة إقتصادية تلقي بظلالها على الحياة العامة، وأن تأثيراتها قد تدخل كل بيت وكل حارة ..نخلص ونقول إن نقل التقانة وحدها دون تأهيل الكادر الوطنى ربما يكون ضررها أكثر من نفعها، وأن نقل تجارب الآخرين دون النظر للخصوصية الجغرافية والبيئية التى تتوفر لدينا لن تجدى شيئاً، وتكون مبادرات أشبه بمن يحرث فى البحر على قول المثل السودانى. فلابد من التفاعل والتلاقح بين تجاربنا الوطنية وتجارب الآخرين في ما يلى نقل التقانة الزراعية والحيوانية، وإلى حد كبير وزارة الثروة الحيوانية والسمكية والمراعى قد قطعت شوطاً كبيراً فى إطار تبادل الخبرات ووضع التجارب التى أثمرت نجاحاً. نطرح كل هذه الرؤى، وندرك أن الموسم الزراعي مازال فى بدايته، وأن الحكم عليه ما زال مبكراً.