يقال إنه قد تم إحضار شخصين أحدهما متفائل جداً والآخر متشائم جداً.. وعُرض عليهما كوب به بعض الماء إلى منتصفه.. وطُلب منهما التعليق على ذلك الكوب وبشكله الحالي ووصفه بالطريقة التي يظهر بها لكل منهما.. والرجل المتفائل قال إن هذا الكوب ممتلئ بالماء إلى نصفه والرجل المتشائم قال إن ذات الكوب فارغ من الماء إلى منتصفه. ونحن سوف نتفاءل.. «مجرد تفاؤل» مع أهلنا الذي ذهبوا إلى المفاوضات في أديس أبابا و«اتفقوا» مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.. وسوف نتفاءل مرة أخرى وننظر إلى الجزء المليان من الكوب ونظن «وبعض الظن إثم» أن السودان المقصود تحريره بواسطة الجنوبيين هو سودان «تاني» غير بتاعنا ده.. وأهلنا المفاوضون عندما رجعوا لم يعلنوا عن الاتفاق الذي توصلوا إليه الأمر الذي أدى إلى أن يبحث المهتمون في «جحور» وزوايا وتصريحات منسوبي دولة الجنوب.. والذين أبرزوا«الاتفاقية» بتاعة البترول وكأنها غزوة بني «قريظة» ضد بني «المصطلق» ورئيس وفدهم باقان أموم بعد «أن لم يحمد الله ويُثني عليه» قال إن السودانيين سرقوا البترول «تاع الجنوب» في ديسمبر ويناير وفبراير وإن وفد الجنوب كان قوياً جداً وعنيفاً جداً وشاطر جداً ويعرف إنجليزي بحيث إنه لم يستجب إلى الضغوط الأمريكية واستطاع توصيل رأيه بوضوح باللغة الإنجليزية ووفد السودان «مابيعرفش» وباقان يريدنا أن نصدق أن الرئيس الأمريكي والذي يدعي باقان أنه من أبناء عمومته وأنه أبو خالو إذا كان عنده خال، يريدنا أن نصدق أن أمريكا مارست ضغوطاً عليهم وأن هيلاري كلينتون بتاعة «مونيكا لوينسكي» ضغطت عليهم للقبول بهذه الاتفاقية المجحفة في حقهم.. وأورد باقان مجموعة من الجداول والأرقام أبرز فيها أن وفد السودان جاء يحمل اقتراحاً يقارب كم وثلاثين دولارًا للبرميل وجاء وفد الجنوب يحمل فقط سبعة دولارات للبرميل موزعة على التكلفة والترحيل والتجهيز ومخصصة لبترول بترودار وهو يمثل 75% من إجمالي البترول المنتج في البلدين.. وماحدث أن الجنوبيين عصروا جماعتنا عصر شديد وجعلوهم يقبلون فقط بسبعة دولارات لا غير.. أما «الهِبة» أو «المساعدة» أو «الحسنة» أو «الهدية» أو «الجودية» أو «القرصة» أو «المنحة» التي جاء يحملها جماعتنا معهم وقيل إن قيمتها ثلاثة مليارات دولار فهي أولاً مؤجلة بعد اثنين وأربعين شهراً.. ثانياً هذه الهبة والمنحة وبهذا الفهم قابلة للنقض لأن من يملك أن يهب يمكن أن ينكص عن الهبة لأنها غير ملزمة.. ثم الأهم أن هذه الهدية تبحث أمريكا عن جهة أخرى تدفعها لها.. وربما وجدت جهة عربية تفعل ذلك مثلما كانت بعض الدول العربية تحملت كل تكاليف حرب الخليج نيابة عن الأمريكان.. والأهم من كل ذلك أن «الجنوبي» أي «جنوبي» يعتقد أن المندكورو لا يستحقون الإيفاء بأي التزام.. ونعيد طرفة الجنوبي الذي دخل المطعم وكان عريان «ميطي» ولا يلبس أي هدوم وطلب من الأكل ما لذ وطاب وعندما جاءه الجرسون للدفع قال له «شوف مندكورو عوير ده قروش هو بس أنا بشيلو وين».. ولأن حكومة الجنوب لا تملك أمرها فهي كالعريان «قروش ده بشيلو وين» ولن تفي لنا بثلاثة مليارات بعد ثلاث سنوات ولا ثلاثة دولارات بعد ثلاثة قرون. وبناء على نظرية الكوب المليان والتفاؤل كنت أريد أن أقول إن وجهة نظرنا أن «ننفك» من الارتباط مع الجنوب بأي طريقة حتى ولو قمنا بترحيل البترول مجاناً وعلينا أن ننسى التسعة دولارات بتاعات باقان وننسى الخمسة والعشرين دولارًا «المتوهَّمة» عند جماعتنا وننسى الثلاثة مليارات بتاعة الأمريكان ونقول للجنوبيين إننا سوف نقوم بترحيل البترول بتاعكم مجاناً ولكن ذلك وفق شروط لن تخسروا معها شيئاً وهذه الشروط هي طرد عرمان وطرد عقار وطرد الحلو وطرد الجبهة الثورية وطرد المعارضة بتاعة الرجال والنسوان الطالعين ونازلين وطرد الشيوعيين وطرد حركات دارفور».. ولا نريد منكم أي قروش كما لا نريد منكم شكوراً. وعندما يعود وفدنا إلى الخرطوم يمكنه أن يقول للناس إنه اتفق مع الجنوبيين على الترحيل بالأسعار الآتية: طرد عرمان 2 دولار طرد الحركات المتمردة 5 دولار طرد التجمع الوطني 3 دولار طرد المعارضة نسوان 1 دولار ترحيل الجنوبيين 5 دولار طرد الجبهة الثورية 3 دولار مكافحة الإيبولا 1 دولار المحافظة على الإسلام 5 دولار المحافظة على اللغة العربية 2 دولار الجملة 72 دولارًا طرد الحلو 1 دولار طرد عقار 1 دولار طرد متمردي دارفور 5 دولار طرد المعارضة رجال 2 دولار ايقاف زحف الإيدز 2 دولار طرد الشيوعيين 1 دولار تحسين البيئة 1 دولار الجملة 31 دولارًا وبهذا يمكن أن يقول وفدنا «محلياً» إنه قد اتفق على أربعين دولارًا للبرميل «27 + 13» بينما في الحقيقة يكون قد رحّله مجاناً تطبيقاً لنظرية نصف الكوب المليان. كسرة: نرفض الحريات الأربع للجنوبيين وترفض أي حرية ولا واحدة ولا نصف حرية حتى، ونطالب بترحيل الجنوبيين كلهم بدون فرز إلى دولتهم، وسكان الكاميرون أولى بالحريات الأربع من دولة الجنوب العدو الأول للسودان.