إن الرجل الذي فضّلت أن يكون موضوعاً لهذا العمود الصحفي، شرفت بالعمل معه في وزارة الإعلام وكانت المساهمات التي أقوم بها، ليست من قبيل العمل التنفيذي ولكن جلها تتصل بالتداول حول قضايا الإعلام في المجالس المعنية بوضع الخطط ومتابعتها، والسياسات وتفصيلاتها الخاصتين بقضايا الإعلام والهموم ذات العلاقة بالرأي العام. ومن خلال اطلاعي على المنهج والصيغة التي يتم تبنيهما من قبل الأخ كمال، استطعت أن أتعرف على النسق الذي يفكر به، والطريقة التي تقود خطاه نحو اعتماد ما يجب اتخاذه من قرار. فالرجل أثناء فترة توليه لمنصب وزير الدولة للإعلام، ثم ما تلاها من مرحلة، اقتضت أن يكون وزيراً اتحادياً في ذات الوزارة، اكتشفت أنه صاحب قاعدة فكرية، وآراء يستقيها من الأصول التي تربى عليها سواء أكان ذلك انطلاقاً من المدرسة الإسلامية أو البيئة الأكاديمية التي تمثل جانباً هاماً من جوانب اهتماماته، أو الممارسة التنظيمية، تلك التي عاش في أجوائها ككادر منظم في مجالات النشاط الحركي. ولقد كان القرار الذي اتخذ إبان تولي د. كمال عبيد منصب وزير الإعلام، بإيقاف بث هيئة الإذاعة البريطانية عبر موجات ال(FM) ، قراراً، وإن لم يُرض البعض، قائماً على أسانيد وحجج تتصل بالشكل الذي تتناول به هيئة الإذاعة البريطانية أخبار السودان، وما من شك بأن إذاعة لندن المعروفة بالبادئة «هنا لندن، القسم العربي» لها مستمعون بالسودان ليس منذ الآن، ولكنها مسألة تاريخية، كما أن الذيوع والانتشار لما يرد في برامج تلك الإذاعة ما يزال يحظى بقبول، لم يمنع من أراد الاستماع إليها أن يبحث عن موجاتها سواء أكان ذلك من شبكة الإنترنت أو البث الفضائي، وهذا يعني أن إيقاف إذاعة ال BBC وحرمانها من البث الأرضي غبر ال FM، ليس مؤثراً لمن لديه الرغبة، لأنه سيتجشم قدراً من المصاعب للحصول على مادتها، كما أن أمر الإيقاف الذي تبناه الدكتور عبيد كان قراراً يحترم قواعد السيادة والكرامة بألا نسمح عبر فضائنا، وما نملكه، بعربدة المعربدين وتشويه رأي المواطنين، وذلك بمثل ما تضطلع به السلطة العامة من إجراءات قانونية تمنع إصدار رخصة لمن يروج للخمور والمخدرات. وعدم إصدار مثل تلك الرخصة، لا يعني أن ليس هناك من ابتُلي بمعاقرة الخمر وتناول المخدرات، غير أن أمثال هؤلاء قد يبذلون جهداً عظيماً ومضاعفاً لممارسة ما ابتُلوا به من داء عضال، حتى وإن كان مغامرة منهم تقتضي الغوص في الأوحال، وارتياد الأزقة، وممارسة المنكر في جنح الظلام. وقرار آخر اتخذه الدكتور كمال عبيد بتجفيف أكاديمية علوم الاتصال، من طلاب الشهادة السودانية باعتبار أنها أكاديمية للتدريب وليست للتعليم ومنافسة بقية الجامعات، غير أن هذا القرار الأخير بالرغم من اختلافي معه حول مغازيه وأبعاده، باعتبار أن التدريب صنو للتعليم والتأهيل، وليس هناك ما يفصل بينهما، لكن قرار د كمال أصبح سارياً وهو ما يؤكد أن لكمال مبادئ وعقيدة فكرية، كما أن له منطلقات يصعب لكائن من كان أن يحرفه عنها، إلا إذا اقتنع وتولدت لديه مفاهيم توجب مثل تلك القناعات. والآن، ينتدب المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور كمال عبيد ليكون رئيساً للوفد الذي يمثل الحكومة في مفاوضات أديس أبابا التي تتصل بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وهنا تبدو في الأفق بكل وضوح، ووفقاً لما حدث من نتائج في الجولة السابقة، أن الدكتور كمال عبيد، سيظل عند موقفه، ولن يبارح ما يتصل من قضايا بشأن مواطني النيل الأزرق وجنوب كردفان، وعلى المتمردين الذين يحاولون تجاوز هذا السقف أن يشربوا من البحر، لأن الذي يفاوضهم هو كمال عبيد الذي نعرفه. ودعونا ننتظر قليلاً لنرى ما سيسفر عنه ذلك الحوار الذي يمسك بخطامه ذلك الرجل المعروف لدينا بجرأة أفكاره وثبات قاعدته التي تصلح لأن تكون منصة لإطلاق الصواريخ.