هكذا توقعت وغيري كثر من الذين يعرفون حماقة عقار وتهوره من واقع تاريخه القميء في التمرد والقتال وسفك الدماء دون وازع أو خلق أو مبدأ !. ويقيني أن النهاية التي انتهى إليها هذا المارق كانت طبيعية ومتوقعة ومؤشراتها ليست فقط في تعبيراته وتصريحاته وتصرفاته، فالعرض العسكري الذي أقامه هذا المفتري مع انفصال الجنوب ولقائه الأخير بشباب الولاية كانا علامة فارقة في مخططه! لم يكن هذا الرجل من دعاة السلام يوماً لا في أفعاله ولا نهجه ومشاركاته وتعاطيه مع رأس الدولة وأجهزتها من خلال المواقع التي تقلّدها منذ أن وطئت أقدامه أرض الولاية عقب اتفاق السلام وتجيير الانتخابات لصالحه! شهدنا كيف تدرّج هذا المتمرد في صفوف الحركة الشعبية حتى وصل قمة هرم قيادتها يقتات على نهج الغابة وإثارة العصبيات ونعرات العرق والحميات البغيضة! ووقف الناس على ما تم في انتخابات ولاية النيل الأزرق التي لم تأتِ به ولكن القيادة السياسية في البلاد رأت حقن الدماء وتفويت فرصة الحرب كي تنعم هذه الولاية بالطمأنينة والاستقرار ولكن هيهات! كنت على قناعة أن الثلاثي الحلو وعقار وعرمان لن يكتفي بالقتلى والضحايا في الجنوب أو الفتنة التي أرادوها في جنوب كردفان، وأن تدبيرهم كان يرمي لإشعال حريق النيل الأزرق على النحو الذي تم ليلة الفاتح من سبتمبر «العظيم» فروح القذافي ومدده ودعمه كان الأسبق لتمردهم الأول ولزعيمهم قرنق! هكذا تتعاظم أخطاء الحركة الشعبية بعد موت حلمها في السودان الجديد، والمآسي والتحديات تطوِّق عنقها، آثرت أن تشعل الحريق تلو الآخر في هاتين المنطقتين متجاوزة العرف والأولويات بدلاً من َ أن توظِّف طاقاتها في توفير الاحتياجات الضرورية لمواطنيها والانكفاء على أولوياتها، آثرت أن تهدد الأمن والسلم في جوارها الجديد وتغيير الخارطة الجغرافية بالقوة، مستفيدة من الإشارات الخاطئة والسند الخارجي الواهم الذي ظلت تبديه دول الاستكبار أمريكا والغرب! لقد استعجلت جوبا تنفيذ الحلقة الثانية من سيناريو الحرب ومخطط تمزيق البلاد في مشهد يكاد يكون مشابهاً لما جرى في ولاية جنوب كردفان! ومن واقع التعامل المسؤول والسريع لقواتنا المسلحة مع تمرد عقار في استعمال الحد الأدنى للقوة، فقد الوالي المخلوع المبادرة في جعل المواجهات تدور بين المدنيين والقوات المسلحة بمثل فقده للشباب ومنصبه والهالة المستبدة التي حاول أن يتدثر بها ويوهم بها أتباعه! انكشفت كل مخططات التموية والتعمية في مؤتمر كاودا لإضعاف السودان وفك الخناق عن الحلو، وهي تسعى لتمرير خطة عقار وهو آخر من يعلم أن الأجهزة المختصة ساهرة ويقظة تدرك كل ما يجري ولا سبيل لتكرار ما حدث في جنوب كردفان!. سقطت دعاوى الهوية والهامش والتهميش وسطوة المركز وقسمة السلطة والثروة على شاكلة نيفاشا وفرض الإرادة ،كما خسر وسقط عقار من صرح جبروته على نحو مهين، ولم يكسب سوى كراهية أبناء المنطقة الذين ملوا الحرب والدمار وأدركوا خيانته وعمالته! الحركة الشعبية حاولت نقل مشاكلها بإعلاء شماعة حرب جديدة، واستخدمت عنصر المفاجأة في النيل الأزرق في جنح الظلام، ولم تدرِ أن القوات المسلحة كانت تتابع تحركاتها وإشارات عقار لبدء الانقلاب، فخاب فألها وطاش سهمها، فأين ترى المكاسب، والتخطيط يبدو في جوهره أجنبياً ينفذ بهجوم طرفي جديد عبر هذه البيادق!. شكرًا لغباء هذا الوالي «المصنوع» الذي لا يحسد عليه، فقد وضع عقار بتمرده حدًا للضبابية وحالة الترقب والتكهنات التي كانت تخيِّم على المشهد السياسي هناك، وأمكن من لجم حالة الفلتان بيسر وسهولة وتفكيك الحركة الشعبية بالشمال. وبدلا من أن يوظِّف عقار فرصته التأريخية حاكماً لأهله بلا منازع، يملك سلطة وجاهاً وقصراً توجّب عليه أن يسعى بهمومهم وقضاياهم، ويسهر في معاشهم وأمنهم، وينهض بمطلوبات تمتين عرى النسيج المجتمعي والإبقاء على حالة السلم المدني، وتوفير التنمية والخدمات وبناء مشروعات النهضة وإعادة الإعمار والتأهيل، والاستعداد للمرحلة القادمة في بناء الجمهورية الثانية، فإن عقار اختار أن يوالي أجندة الخارج وخدمة مشروعات دويلة الجنوب الوليدة على حساب أهله البسطاء وهم في أمس الحاجة لكل شيء لتغيير حياتهم وواقعهم، والكل يعلم أن أبناء النيل الأزرق قدّموا أرواحهم وشبابهم خدمة مجانية للجنوب، ويريد عقار أن يبقيهم سخرة لسلفا كير وباقان وعرمان وأربابهم بالخارح، لقد أضاع هذا القاتل فرصته واختار الحرب والنجومية والنصر السريع، وأراد للولاية وسائر البلاد الخراب والدمار على نحو ما تفعل الحركة الشعبية في جنوب كردفان وما تضطلع به من مخططات تخريبية إرهابية مع مناوي وعبد الواحد وخليل بدعم أجنبي لهذا الفعل من عاصمتها جوبا يعمد للتشويش والإرباك وزعزعة الاستقرار.. وحسناً أن نهضت القوات المسلحة بمسؤولياتها وتصدت لهذا العمل الشنيع الجبان بقوة باطشة وبنهج محترف وإرادة تصنع السلام وترعاه، قللت الخسائر وأمنت سلامة الأرواح والممتلكات رغم الترويع الذي حلّ بالسكان، لقد وجد عقار نفسه في مأزق حين اختار الاحتفاظ بقوة عسكرية خائنة وخيلاء واهمة بدلاًَ من تسريحها وتهيئتها للإندماج في المجتمع المدني وتمدين الولاية كي تستشرف مستقبلاً أفضل، واستجعل الوالي الهارب المغرور النصر والسؤدد لكن عجلته أفادت من حيث أريد لها الضرر، وأضرت به وبحركته ومن يقفون إلى جواره من حيث أرادوا هم النفع، وانتهى به المآل إلى طريد شريد كما بدأ!.