حزمة من المعطيات والشواهد تحتشد على المسرح السياسي لقضية جنوب كردفان، ففي الوقت الذي تنشط فيه مجموعات سياسية من أبناء كردفان في عدد من البلدان الغربية في محاولة منها لاختطاف القضية من منابرها المحلية للزجّ بها على موائد الغرب لتصبح القضية سيناريو آخر ينتظر السودانيين في ذات السكة التي انتظروا فيها «نيفاشا». ولكن في المقابل هناك آخرون ممن يُعتقد بأنهم أهل المصلحة وأصحاب الوجعة من القابضين على الجمر يحاولون إبقاء القضية داخل مكوِّناتها المحلية ويحاولون كذلك إنتاج واقع جديد يتماشى مع واقع الحال هناك ويدفع في اتجاه الحلول التفاوضية، فأصحاب هذا الخيار ينشطون الآن بشكل كثيف لاستكمال حلقات ما أُطلق عليه الملتقى «التشاوري أو التفاكري» الذي تحدَّد له أكتوبر القادم، وفي غضون ذلك نشطت حركة اللقاءات والاجتماعات بين اصحاب الفكرة المسنودين بقناعات جماهيرية وبين كل فصائل ومكوِّنات الحركة السياسية ليس على مستوى الولاية فحسب وإنما حتى على المستوى العام في السودان. يبدو أن هناك إرادة سياسية جامعة بدأت تتبلور ملامحها ومبرراتها ومقوماتها خصوصًا أن هناك أكثر من «14» حزبًا سياسيًا من أبناء جنوب كردفان باتوا الآن يتحدثون بلسان واحد.. لسان لا ينطق بكلمة «حرب» ولا يعرف خيارًا غير إرادة الجماهير، هكذا تتحدث منطلقات الملتقى التفاكري. غير أن هذا الحراك لا يمكن عزلُه عن تأثيرات كل ما يجري من انفعالات وتفاعلات وتقاطعات سياسية العامل المشترك فيها لا يتجاوز حالة التشاكس ما بين الحكومة ممثلة في المؤتمر الوطني وما يسمّى بقطاع الشمال بافتراض أن هناك رواسب وبقايا مريرة أفرزتها وثيقة نيفاشا في الأجواء السياسية والأمنية بين الشمال والجنوب. قد يُفهم من الحراك الذي تقوده مجموعة الملتقى التفاكري أنهم يحاولون الضغط في اتجاه قبول مبدأ التفاوض أو مناصرة التيار الداعي للتحاور مع قطاع الشمال.. ولكن مجموعة الملتقى قللت من شأن هذا الاعتقاد واعتبرت أن المسألة ليست في من الذي يمكن التفاوض معه بقدر ما إن القضية تسعى لتحديد ما سيُطرح من قضايا وإلى أي مدى يمكن أن يخدم المتفاوضون قضية أبناء جنوب كردفان على أن يكون هناك دور فاعل للمتفاوضين في خدمة قضية جبال النوبة. واللجنة العليا المعنية بالترتيب لمدخلات الملتقى قالت على لسان رئيسها يوسف بشير عن الاتحادي «الأصل» في لقاء تنويري إنها حريصة على توسيع قاعدة المشاركة والاستماع لكل الآراء والأفكار التي تصب في ماعون القضية الكلية لجنوب كردفان فجاءت كل الأحزاب بما فيهم أنصار الشيخ حسن الترابي والبعثيون والحركة الشعبية فصيل السلام وغيرهم من التنظيمات الأخرى، ولكن ربما كانت قوة الدفع الأكبر التي وجدها أصحاب الملتقى أن الحكومة ممثلة في نائبها الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب لشؤون التنظيم أعطت الإشارة الخضراء وباركت المسار دون إبداء أي اشتراطات أو تحفظات أو حتى موجِّهات طبقًا لإفادات اللجنة العليا في هذا الخصوص. إذن الأمر الجدير بالتوقف والتأمل أنه لأول مرة في التاريخ السياسي لمنطقة جبال النوبة تكون هناك فرصة لفتح المسارات والأفكار السياسية حيث تبنى القائمون بأمر الملتقى تأكيد مبدأ «الحوار المطلق» وأن يكون هناك استعداد تام من كل الأطراف لقبول مخرجات الملتقى وإنزالها على واقع حياة المواطنين في شكل برامج ومشروعات حية تعيد ضخّ الدماء من جديد في شرايين هذه الولاية التي فقدت قدرًا من مقومات الحياة وتهتّكت أوصالها وضاق الناس كثيرًا في معاشهم وباتوا قومًا تحت رحمة النزوح واللجوء. وبحسب ما أُعلن حتى الآن فإن الملتقى يبدو أنه أراد أن يأتي بجديد.. في شكل الطرح السياسي وفي إعمال مبادئ «نصف رأيك عند أخيك».. وفي هذا السياق قال الأستاذ الزبير كرشوم الأمين العام للمؤتمر الشعبي بولاية جنوب كردفان إن ملتقاهم التفاكري يستهدف كذلك الإخوة من أبناء الولاية في أمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوربية ودول الخليج التي تحتضن مجموعات سياسية فاعلة من أبناء الولاية وذلك بهدف مخاطبتهم وإشراكهم في فعاليات الملتقى من أجل اقتلاع جذور الأزمة بالمنطقة.