ما نزعني اليوم عن المصائب الداهمة التي توشك أن تطبق علينا جراء الاتفاقيات الملغومة التي يعكف مفاوضونا في أديس أبابا على إبرامها حتى لو كان في ذلك وبال علينا وأخطار تهدِّد أمنَنا وسلامَنا الاجتماعي وحاضرَنا ومستقبلَنا.. ما نزعني إلا خبرٌ مزعج بحق لإدارة حماية المستهلك بوزارة الداخلية عن ضبط كميات من اللحوم الحمراء والبيضاء غير صالحة للاستخدام الآدمي في شتى أنحاء العاصمة وعن إغلاق تلك الإدارة 024 محلاً بولاية الخرطوم لبيع وتوزيع اللحوم والفراخ!! مضى الخبر بعد ذلك في بيان الكميات المضبوطة من اللحوم في مختلف محليات ولاية الخرطوم وما إن فرغتُ من قراءة التقرير المفزع حتى شعرتُ بأننا كنا ولا نزال نعيش في حقل ألغام آخر مختلف تماماً عن ذلك الذي يزرعه المفاوضون وهم يهدِّدون أمنَنا وحياتَنا بمنح الحريات الأربع لباقان وعرمان وعصاباتهما الحاقدة وبانبطاحاتهم الأخرى يتمثل في ما نأكله على مدار اليوم من لحوم وخضروات وأغذية لا تخضع لضوابط الفحص والرقابة الصحية المعمول بها في شتى أنحاء العالم المتحضِّر. في حملة واحدة في يوم واحد يتم ضبط كميات هائلة من اللحوم غير الصالحة من بينها خراف كاملة فكم بربِّكم من اللحوم غير الصالحة التهمناها والتهمها أطفالُنا وأحدثت أثرَها الخطير في أجسادهم الصغيرة أمراضاً وإعاقات جسدية وذهنية لا يعلم عنها إلا الله علاّم الغيوب!! إذا كانت حملة واحدة في يوم واحد معيَّن كشفت عن ذلك الخراب الكبير فكيف باليوم السابق لتلك الحملة وكيف بالأسبوع والشهر والسنة السابقة بل كيف بالسنوات السابقة؟! والله العظيم كنتُ عندما أمرّ صباحاً بمحل جزارة تعرض اللحوم في العراء ثم أعود مساءً أو عصراً وأجد نفس تلك الخراف معلقة ثم أعود في اليوم التالي وأشهد ذات المنظر أشعر بأننا نعاني من خطر داهم بل أخطار صحية كبرى... كذلك الحال عندما أمرُّ وأجد بائعة كسرة في العراء وهي تلفّ بعض (الطَّرَقات) بفتح الطاء والراء بيدها العارية من أي كيس لزبائنها الواقفين حولها بل لقد تذكرتُ تلك القصة التي كُتبت قبل سنوات عن بائعة الكسرة المصابة بالسل والتي كانت تفتح الكيس عن طريق نفخه بفمها قبل أن تضع فيه الكسرة مما تسبب في نشر ذلك المرض اللعين بين زبائنها!! كم سعدتُ قبل أيام لخبر شنّ الحملة على الصعوط واستصدار قانون مكافحة التبغ فلقد رأينا كيف يُعرض (ود عماري) بالقرب من محال الأغذية وأحياناً بالقرب من محال بيع المشروبات والعصائر ومعلوم تماماً ما يتطاير من تلك الآفة على الأغذية مما لا نراه بالعين المجردة ولن أتعرض بالطبع إلى آفة التبغ فقد كتبتُ عنها قبل أيام. إننا والله نحتاج إلى ثورة صحية في حياتنا يشارك فيها هيئات حماية المستهلك المجتمعية وليس فقط الجهات الرسمية بل نحتاج إلى أن نكثف من الجهات الرقابية بحيث نُشرك المجتمع من لجان شعبية وغيرها بعيداً عن المجاملات والرُّشى التي كثيراً ما تعطل إعمال القانون والضوابط الصحية. ما كشفت عنه إدارة حماية المستهلك التابعة للإدارة العامة للمباحث الجنائية في ذلك اليوم السعيد قال الخبر إنه كان عبارة عن حملة شاركت فيه هيئة المواصفات والمقاييس والنيابة ووزارة الثروة الحيوانية لكن هل هذه الجهات هي الأجهزة الرقابية الدائمة أم أنها حلَّت محلّ أجهزة رقابية أخرى كان ما قامت به الحملة جزءاً أصيلاً بل واجباً وفريضة من المفترض أن تقوم بها بدون تدخُّل من تلك الجهات التي قامت بالحملة؟! إذا كان ذلك عمل جهات أخرى في ولاية الخرطوم فهذا يعني خللاً كبيراً في المؤسسية التي أُنشئت من أجل ذلك العمل الخطير المتعلق بصحة المواطن. إننا كما قلت نحتاج إلى ثورة إدارية تُصلح من شأن الأجهزة الرقابية.. فبالله عليكم كيف يتناول أطفالُنا في المدارس إفطارَهم؟! كيف هي أسواقُنا؟! أين مواقع القمامة والصرف الصحي من أسواقنا؟! على كلٍّ هذه الأسئلة وغيرها موجهة إلى والي الخرطوم وإلى معتمديه المثقلين بهموم ومسؤوليات كبيرة في مساحات جغرافية بعضها لا يقل عن مساحة دول ذات سيادة رأيناها رأي العين ولا أفهم والله البتة أن تنهض بالحملة التي أشرنا إليها في بداية المقال إحدى إدارات وزارة الداخلية لكن في السودان كل شيء جائز فلطمالما اختلط الحابل بالنابل فقد رأينا كيف تنشئ وزارة الداخلية الجامعات والمستشفيات بينما وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة تتضوران جوعاً وكيف تنشغل وزارة الدفاع بإنشاء المستشفيات وناطحات السحاب والمباني المزركشة والمفاوضات بينما أرضنا محتلة وكيف وكيف وكيف وهكذا السودان المال عند بخيله والسيف عند جبانه!! أرجو من د. عمار معتمد شرق النيل.. ذلك الشاب النشط الذي بهرني بأدائه ونشاطه ونجح فيما كنتُ أحسبه مستحيلاً حيث نظم سوق حلة كوكو وفتح الشارع الذي كان محتلاً من الباعة والمحال المحيطة بالشارع الرئيس وأنجز ويا للعجب خارطة إلكترونية للمحلية تكشف أرقام ومواقع كل مساكن المحلية وأسماء قاطنيها.. أرجو منه أن يقدِّم تجربة تتخذ مما تفعله الدول الأخرى المتحضرة نموذجاً في كيفية التعامل مع القضية التي نحن بصددها اليوم وأعني بها صحة الإنسان خاصة وأن شرق النيل هي موطن حظائر الأبقار التي يشم زائر المحلية عندما يقترب من حلة كوكو روائحَها (العطرة)!! إننا نحتاج إلى نماذج تُحتذى فهلاّ تنافس المعتمَدون في تقديم تجارب للحكم الراشد الذي يفتقر إليه السودان في شتى ضروب العمل التنفيذي!! أرجع إلى الهمّ السياسي طالما أننا نتحدث عن والي الخرطوم وولايته الكبرى وأقول إنني أظن أن الوالي الهمام د. عبد الرحمن الخضر يعلم بما يدور في ولايته وبما يتهدَّدُها من أخطار أمنية كما يعلم أنها مُستهدَفة فمن يحكم الخرطوم مؤهّل لحكم السودان ولا تقوم الانقلابات العسكرية إلا في الخرطوم ولو قامت في شندي أو دنقلا أو نيالا لما نُصِّب منظموها حكاماً على السودان ومن أجل ذلك يستهدف المتمردون الخرطوم وتُهرَّب الأسلحة إليها وتُزرع الخلايا النائمة والقنابل الموقوتة فيها ولعلَّ أخبار تهريب الأسلحة من الولايات الحدودية مما سمع عنه الوالي وقرأ كما أنه يعلم أن أحداث الإثنين الأسود لم تشتعل إلا في الخرطوم وكان غزو أم درمان من قِبل عصابات خليل جزءاً من مخطَّط استهداف السودان من عاصمته ولن تقوم لمشروع السودان الجديد قائمة ما لم يقم في الخرطوم ولن (تحرِّر) الحركة الشعبية السودان إلا من الخرطوم فهلاّ أولى الوالي عبد الرحمن الخضر أمر تأمين الولاية اهتماماً خاصاً وهلاّ أنشأ غرف العمليات واستحدث من الآليات ما يليق بهذا التحدي الخطير الذي ينبغي أن يكون على رأس أولوياته فوالذي فطر السموات والأرض ما من أولوية ينبغي أن تحظى باهتمام الوالي أكبر من تأمين الخرطوم والتي عليه أن يعلم أن استهدافها يتجاوز تخطيط الحركة الشعبية إلى دول كبرى هي التي تخطِّط للحركة وترعاها وهي التي صنعت قرنق وابتعثته إلى أمريكا للدراسة وهي التي تتآمر على السودان وتعتبره كعب أخيل في محيطه العربي والإسلامي. إنني وقد حذَّرتُ وأنذرتُ قبل نيفاشا لأطلب من الوالي من هذه اللحظة التي يقرأ فيها مقالي هذا أن يزيد من اهتمامه بأمن الخرطوم فإذا كانت وزارة الداخلية تهتم بصحة الإنسان وتضبط اللحوم الفاسدة فمن باب أولى أن يهتم هو بما يتعيَّن عليه الاهتمام به من تأمين للعاصمة فهي أمانة وهي يوم القيامة خزيٌ وندامة وأخشى على السودان مما حاق بالأندلس أو على الأقل ما حاق بزنجبار ونرجو ألا يُؤتَى السودان من عاصمة عبد الرحمن الخضر ولات حين مندم. -- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.