اجتماع للتربية فى كسلا يناقش بدء الدراسة بالولاية    شاهد بالفيديو .. قائد منطقة الشجرة العسكرية اللواء د. ركن نصر الدين عبد الفتاح يتفقد قوات حماية وتأمين الأعيان المدنية المتقدمة    مواطنو جنوب امدرمان يعانون من توقف خدمات الاتصال    "مطارات دبي" تدعو المسافرين التحقق من حالة رحلاتهم "الحالة الجوية السيئة"    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    من الزيرو إلى الهيرو    تفاصيل إصابة زيزو وفتوح في ليلة فوز الزمالك على الأهلي    شركة تتهم 3 موظفين سابقين بسرقة عملائها    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    البنى التحتية بسنار توفر اطارات بتكلفة 22مليون لمجابهة طوارئ الخريف!    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    استمرار حبس البلوجر هدير عاطف بتهمة النصب على المواطنين    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    حفظ ماء وجه غير مكتمل    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    إعلام عبري: طائرات أميركية وبريطانية تسقط مسيرات إيرانية فوق الحدود العراقية السورية    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم السري للاجئين السودانيين فى مصر
نشر في الانتباهة يوم 28 - 09 - 2012

اختراق العالم السري للاجئين السودانيين فى مصر ليس سهلا، لكن صحيفة (اليوم السابع) المصرية أجرت فيه تحقيقا شاملا عن حياتهم. وتناول التحقيق أحوال المصريين في عين شمس، مدينة نصر، حدائق المعادي، حدائق حلوان، المهندسين، 6 أكتوبر والعاشر من رمضان وغيرها، فاللاجئون يتوافدون إلى مصر للاحتماء بها ، ظنا منهم بأنها ستكون الملاذ الوحيد لهم من الشقاء، إلا أنهم يتعرضون لأشكال جديدة من المعاناة. ومع ذلك يواصلون التدفق على الحدود المصرية، فمصر هى الدولة الأقرب لهم، إضافة إلى أنها واحدة من الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف الخاصة بحماية اللاجئين عام 1951 ضمن «130» دولة، وهى الوثيقة التى تلزم الدول الموقعة عليها باستقبال المواطنين الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب الجنس، القومية، الاعتناق الدينى أو السياسي.ويبلغ عدد الأفارقة اللاجئين وطالبي اللجوء إلى مصر «49» ألف وخمسمائة وأربعة لاجئين، من بلاد مختلفة مثل: السودان وجنوب السودان، وقامت الصحيفة باخترق العالم السري للاجئين الذين بدأ عدد منهم حاليا فى الاعتصام أمام المفوضية للشهر السادس على التوالي، لتسلط الضوء على مشكلة حقيقية توشك أن تتحول إلى قنبلة موقوتة داخل المجتمع المصرى إذا لم ينتبه لها المسؤولون ويستمعوا لاحتياجاتهم بتسفيرهم إلى بلد آخر أو توفير احتياجاتهم للعمل والتعليم والعلاج، حتى لا يتكرر مشهد اعتصام اللاجئين السودانيين بميدان مصطفى محمود عام 2005 الذى راح ضحيته الكثيرون. هذا الملف يتعرض لمأساة اللاجئين السودانيين لمصر بعد أن عاد الرئيس عمر البشير إلى السودان بعد زيارة إلى مصر ومعه (122) سجينا سودانيا.. لكنه لم يسمع هذه الحكايات التى تفطر القلب للاجئين السودانيين فى مصر.
*«عبدالوهاب».. عصابات تجارة الأعضاء سرقت كليته
لم يعلم يوما أن دكانا خشبيا، يحتوي على ماكينة وحيدة لتصوير الأوراق فى الخرطوم، سيكون سبب شقائه إلى الأبد، فيكفي أن تسأله عن سبب لجوئه إلى مصر ليقص عليك حكايته التى بدأت هنا عام 2007 عندما هرب من موطنه. محمد عبدالوهاب، شاب فى الثلاثينيات من عمره لا يجيد القراءة والكتابة، أصيب بحالة نفسية سيئة نصحه أصدقاؤه المقربون ، بالسفر إلى مصر وذلك لسببين الأول: للزيارة والسياحة والثانى لاستغلالها للهجرة إلى دولة أخرى، فقام بتغيير بعض البيانات الخاصة به فى جواز السفر مثل: اسم الجد وتاريخ الميلاد والسن وذلك بمعاونة أحد أقاربه - موظف بالجوازات، لينجح فى الهروب إلى مصر وقضاء ما يقرب من عامين فيها تم خلالها الاعتراف به كلاجئ من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
حياته فى مصر كانت مقتصرة على المبيت داخل منزل أحد معارفه، بعدما تعرض لمضايقات كثيرة فى المنزل الذى أقام فيه بمفرده بإحدى المناطق الشعبية، فلم يسلم عبدالوهاب يوما من مضايقات البلطجية له ومحاولاتهم المستمرة للاستيلاء على ممتلكاته، وعندما ساءت حالته النفسية بسبب الذكرى الأليمة التى تتردد على ذهنه بين الحين والآخر سواء داخل المعتقل أو المشاكل الأسرية التى عاصرها منذ الصغر بين أهل الوالدين، أدخلته المفوضية مستشفى العباسية لتلقى العلاج اللازم، وبعدما تحسنت حالته خرج من المستشفى، ولكن سرعان ما ساءت مرة أخرى لدرجة أنه أقبل على الانتحار أكثر من مرة فنصحته المفوضية بالعودة إلى أهله للموت بينهم، وبالفعل أغلقت ملفه الخاص بطلب اللجوء فى مصر ورحلته لموطنه الأصلي.
خلال فترة العامين التى قضاها عبدالوهاب فى مصر، تعذرت حالته المادية، فلا أحد يساعده ولا يوجد مصدر رزق له، يقول عبدالوهاب: عانيت من التشرد فى مصر وتنقلت بين أكثر من سكن وكانت المعونة التى تنفقها علي المفوضية لا تتجاوز (470) جنيها فقط، وبالتأكيد فهى لا تكفى احتياجاتى، بمرور الوقت تعرفت على مجموعة من السودانيين والأردنيين، كانوا يترددون بشكل مستمر على مقاهي وسط البلد، عرضوا على ذات مرة بيع كليتي مقابل 10 آلاف دولار، بعدما رأوا حالتي المادية الصعبة ولكنى رفضت، فتركوني فترة ثم عادوا إلي من جديد وأقنعوني بأنهم نسوا الفكرة تماما وبدأوا يصطحبونني للبارات، وفى يوم شربت معهم كمية كبيرة من الخمور حتى فقدت الوعي تماما فنقلوني إلى أحد المستشفيات، وبالاتفاق مع الطبيب قاموا بسرقة كليتي، ولم أتذكر من ذلك اليوم إلا السرير والملاءة البيضاء التى استيقظت فوجدت نفسي مستلقيا عليها.. حاولت تحرير محضر ضدهم ولكن كانت أسماؤهم غير حقيقية ولا أعرف محل سكنهم ولا أي شىء عنهم.
ويتابع بشفاه مرتعشة وعين دامعة: سرقة كليتي كانت واحدة من العوامل التى زادت حالتي النفسية سوءا، واضطرتنى للعودة للسودان مرة أخري، فلم أعد أتحمل الغياب عن أسرتي أكثر من عامين تعرضت خلالهما لسوء المعاملة والضرب والإهانة، وفى كل مرة لم أستطع الدفاع عن نفسي بسبب مرضي النفسي ونوبات التشنج التى كانت تنتابني من وقت لآخر، مكثت هناك «6» أشهر، حاولت فيها مساعدة أمي ولكن دون فائدة، حتى بدأ الجيران يتداولون فى منطقة سكني أننى بعت أعضائي من أجل المال، وأقنعت المفوضية بإعادة فتح ملفي مرة أخرى بحجة أننى لا مأوى لى فى السودان وأن أخي اعتقل هناك ويتعرض للمضايقات بسببي وأمي هجرت المنزل وانتقلت للعيش فى الضواحي.
وقوع السودانيين كفريسة فى يد سماسرة تجارة الأعضاء، مشكلة تؤرق بال المجتمع الدولي المعني بحقوق الإنسان، والذى يتولى رصد عدد الحالات التى تخضع لهذا النوع من المتاجرة والأماكن المعروف عنها إجراء مثل هذه العمليات وتقديم اقتراحات للحد من هذه الظاهرة، وهذا بالفعل ما فعلته منظمة «كوفس» المهتمة بمحاربة تجارة بيع الأعضاء البشرية واستحداث وسائل قانونية لنقل أو توريث الأعضاء البشرية عن طريق قنوات شرعية، وقد كشف التقرير الصادر حديثا عنها أن مهربي الأعضاء البشرية الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة «السودان، مصر، الأردن، ليبيا» يستغلون حاجة اللاجئين السودانيين وطالبي اللجوء فى مصر ويمارسون ضدهم مجموعة انتهاكات تشمل إزالة الكلى إما عن طريق الموافقة أو الإكراه، أو السرقة الصريحة.
وأكد التقرير أن جميع الضحايا يتعرضون لتدهور حالتهم الصحية بالإضافة إلى الآثار السلبية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية نتيجة التجربة، وقدرت المنظمة أن هناك على الأقل مئات الضحايا السودانيين من عمليات الاتجار بأعضاء البشر فى مصر، فضلا عن كثيرين من الأردن وإريتريا، وإثيوبيا، والصومال، والعراق وسوريا، ووفقا للرصد الذى أجرته المنظمة على عدد من ضحايا يصل إلى «57» فردا، وصلت نسبة أبناء إقليم دارفور فى هذه العينة إلى «%39» وهى النسبة الأعلى مقارنة بالجنسيات الأخرى. وأوصت المنظمة النقابات الطبية فى مصر، والحكومة الحالية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بوضع حد لهذه الظاهرة الناجمة عن معاناة هؤلاء اللاجئين فى الدولة المضيفة وقمع ومعاقبة مرتكبي مثل هذا النوع من الجرائم، وفقا للقوانين والتشريعات المتعلقة بعمليات زرع أو بيع الأعضاء، وأخيرا إنشاء قنوات للإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات، خاصة أن معظم ضحاياها يكونون حديثي السن وأميين. عبدالله إدريس حنظل، مسؤول قسم البحوث والدراسات بمركز السودان المعاصر للدراسات والإنماء، يقول إن اللاجئين جاءوا إلى مصر لكنهم اصطدموا بواقع مرير فتحفظ الأولى على بعض البنود الخاصة بالتعليم والعمل والتجنس خلق أزمة كبيرة تدفع هؤلاء المتضررين للتغلب عليها بشتى الطرق حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم، ويضيف: اللاجئون يقعون ضحايا فى يد سماسرة وشبكات تجارة الأعضاء من السودان وسوريا ومصر وفلسطين، وعن الحلول التى يمكن العمل عليها للحد من هذه الظاهرة، يقول حنظل، يجب أولاً أن تقوم الأمم المتحدة بزيادة موارد مكتبها المعني بشؤون اللاجئين فى مصر، لتلبية احتياجاتهم، إضافة إلى الإسراع فى توطينهم، إلى جانب وضع آليات لحماية اللاجئين وطالبي اللجوء من هذه المخاطر.
*«إيهاب سليمان» تسلل إلى إسرائيل وغادرها
«التسلل إلى إسرائيل» أحد الحلول التى تراود أذهان الكثيرين من اللاجئين فى مصر، خاصة بعد تجاهل مطالبهم، فلا يبقى أمامهم سوى المساعدة المالية التى يحصلون عليها من المفوضية التى تبلغ «300» جنيه كحد أدنى تكفى حاجتهم بالكاد وفى كثير من الأوقات لا تكفي من الأساس، ووقوع اللاجئ الراغب فى دخول إسرائيل بعدما أوصدت فى وجهه جميع سبل المعيشة هنا، كفريسة فى يد عصابات البدو التى تقوم بسرقة أعضائه مقابل مساعدته فى عملية الدخول وتلقيه جثة هامدة فى الصحراء، أمرا حتميا ينتظر كل من يرغب فى الهروب إلى هناك، إلا من رحم ربي، وهذا ما حدث مع «إيهاب سليمان» ذي الخمسة والأربعين عاما الذى نجح فى التسلل لإسرائيل زاعما أنها الملاذ الوحيد مما يتعرض له ولكنه اكتشف العكس تماما.
تبدأ قصة لجوء إيهاب لمصر عام 2003 عندما اشتدت الصراعات والنزاعات فى إقليم دارفور ، فتعذرت تجارته هناك بسبب تنقله بين دارفور والخرطوم عدة مرات بحجة التجارة، ، حتى ساعده أحد أقاربه فى السفر إلى مصر، وقدم طلب التماس للجوء إلى مكتب المفوضية السامية وبناء عليه تحدد له موعد المقابلة بعد شهرين.
يقول إيهاب: عانيت كثيرا فى القاهرة فانتقلت للعمل فى سيناء، وبالفعل هناك أصبح لدي علاقات من الأصدقاء المصريين والإسرائيليين على حد سواء، حتى جاء عام 2005 وعدت إلى القاهرة من جديد لأشارك إخوتي المتضررين فى الاعتصام الذى نظموه فى مصطفى محمود بمنطقة المهندسين وانتهى بموت كثير منهم أمام عيني لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم وترحيلهم إلى دولة أخرى، طالما أن مصر فشلت فى رعايتهم، وبعدما تم فض الاعتصام كان أمام اللاجئين أربعة حلول، إما العودة إلى السودان فهذا قد يكون صعبا، أو التسلل إلى ليبيا وهذا سيدخل مصر فى مشكلة كبيرة، أو النزوح إلى إيطاليا، وأخيرا دخول إسرائيل. وبالفعل كثير منهم اختار الخيار الأخير وأنا كنت واحدا منهم.
ويضيف: دخلت إسرائيل فى 6 مايو 2007، عن طريق مساعدة أصدقائي البدو، بعد ما طلبت من أحد أصدقائي البدو تسهيل دخولي لإسرائيل مقابل «1000» جنيه مصري، كل ما أملك وقتها، بالفعل نقلني إلى العريش فوجدت فى انتظاري ما يقرب من «6» سودانيين و«2» من ساحل العاج الجميع أتى للرغبة نفسها، وهى الرحيل إلى إسرائيل، بدأنا التحرك فى منتصف الليل عن طريق عربية «جيب» مغطاة ببطانية، سرنا بها مسافة«8» كيلو ثم عاودنا السير على أقدامنا بعدما اقتربنا قليلا. ويتابع: كان برفقتنا ثلاثة من البدو أخبرونا بأن اقترابنا بهذا العدد لا يجوز، فقمنا بتقسيم أنفسنا على مجموعات، المجموعة الأولى مكونة من «5» أفراد كنت واحدا منهم ومعنا بدوي واحد فقط، اقترب معنا ثم تركنا ونصحنا بالتشبث بالأسلاك جيدا حتى وإن كشفنا الجنود، فلا سبيل للرجوع أمامهم، وبالفعل تمسكنا بالسلك جيدا ولكنه انقطع وسقطنا على الأرض وأحدثنا صوتا، وانتبه لنا حرس الحدود من الجنود المصريين الذين سارعوا فى إطلاق النار علينا كما يفعلون دائما مع أى متسلل أفريقي، ولكننا نجحنا فى الهروب وتجاوز الحاجز حتى وجدنا أمامنا عربتين للجيش الإسرائيلي، بعدها قاموا باحتجازنا فى معسكر لمدة «10» أيام قضيناها فى العمل بمزرعة المعسكر من الثامنة صباحا حتى الثامنة مساء فى غرفة لا تتجاوز بضعة أمتار، دون مقابل مادى.
استمر تنقل إيهاب هكذا بين السجون لمدة شهر و«15» يوما قضاها بين معتقلي حركة حماس والجهاد والبدو وعرب «48» حتى جاء موعد إطلاق سراحه بعدما تم استجوابه من قبل السلطات الأمنية هناك ومعرفة أسباب لجوئه إلى إسرائيل، فحصل على موافقة العمل فيها بشرط عدم تشجيع أبناء قارته على الاحتماء بإسرائيل، وتكرار ما فعله والحرمان من التجنس مهما طالت مدة إقامته هناك، وبالفعل تم نقله للعمل فى إحدى فنادق مدينة إيلات كعامل نظافة، ولكن نظرا لسوء معاملته هو وكل السودانيين العاملين معه بالفندق من قبل العاملين الروس وعرب «48» والإدعاء عليهم بأنهم يقومون بسرقة العملاء، ترك الفندق وانتقل للعمل فى إحدى شركات النظافة استمر فيها لمدة ثلاثة أشهر ثم تركها ليعمل كحارس أمن فى إحدى الشركات.
يقول إيهاب: كانوا دائما يعتبروننا ضيوفا عليهم وبدأت معاملتهم تسوء لنا تدريجيا، وبالتالى لم تكن إسرائيل هى الملاذ لنا كما ظننا، حتى قررت العودة بمفردى مرة أخرى لسيناء فى 6 مايو 2010 ، وواصلت عملي فى سيناء مع أصدقائي حتى شهر إبريل من العام الجارى وقتها، ثم ذهبت المفوضية وطلبت إعادة فتح الملف الخاص بي، فكانت المفاجأة أنه لم يغلق أصلا ولكنهم رفضوا منحي بطاقة اللجوء للتنقل بها فى أمان بحجة سفري إلى إسرائيل، هددتهم بالإضراب عن الطعام حتى منحوني إياها والآن أنا لا أريد أى شىء سوى ترحيلي من هنا.
أحمد بدوى، رئيس المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين، يقول إن اللاجئين يأتون إلى مصر لأنها الأقرب لهم حتى تتم إعادة توطينهم فى دولة أخرى، وعلى الرغم من أن مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين هو المعني بهم، فإن هناك كثيرا من المشاكل تتعلق بسماع موظفيه لشكوى هؤلاء الناس واحتياجاتهم، وتحاول المؤسسة بقدر الإمكان تقديم الدعم القانوني لهم.
ويشير بدوي إلى أن تكدس اللاجئين فى مصر مثلّ ضغطا كبيرا على مواردها على الأقل علينا أن نحدد أماكن سكن هؤلاء الناس بدلا من أن يتكدسوا فى المناطق العشوائية، لابد من وضع خطة مستقبلية يتم الإعلان عنها مبكرا، خاصة أن التعليم متاح للمرحلة الأساسية فقط وأصبح حديثا يتم رفض علاج أصحاب الأمراض المزمنة».
*«عمر» سابقا وفيكتور «حالياً»..
بكلمات بسيطة بدأ عمر عبدالحميد، فى العشرينيات من عمره، حديثه وكيف تغيرت صورته الذهنية عن دينه ودفعته لاعتناق الدين المسيحي، يقول «عمر» سابقا وفيكتور حالياً: (إنه تخرج فى كلية حاسب آلى جامعة الخرطوم)، ويضيف: جئت إلى مصر فى المرة الأولى فى شهر أكتوبر 2005 ، وعند عودتي للسودان تمنيت اعتناق الديانة المسيحية خاصة بعدما اندمجت مع صديقي جون، وبدأت فى حضور جلسات الكتاب المقدس والقراءة فيه، وبالفعل تم تعميدي فى كنيسة كل القديسين هناك.سألوني فى البداية ماذا تعرف عن المسيحية ولماذا تريد تغيير دينك، بعدها بالتأكيد كان استمراري فى منطقة سكني أمرا مستحيلا، لأنني كنت على يقين بأن المسلمين سيطبقون حد الردة علي، وبالتالى قررت الهروب إلى مصر وفعلت ذلك عن طريق حلايب وشلاتين خوفا من إلقاء القبض علي مرة أخرى، وقدمت للمفوضية طلب لجوء لأنني ملاحق من الأجهزة الأمنية والجماعات الدينية بسبب تغيير الديانة، ولكن المشكلة التى تواجهني إلى الآن أنه لم يتم تغيير اسمي فى بطاقة المفوضية، لأنني لم أحضر معي «ورق تعميدي» من الكنيسة السودانية، وبالتالى ما زالت البطاقة مدونا عليها الاسم القديم، وهذا حرمني من ممارسة الشعائر الدينية فى الكنائس بسبب الاسم. يقول: إحدى كنائس الحي السابع طردتني لأنها لم تصدق أني أصبحت مسيحيا والمفوضية تخبرني بأنها لا يمكنها مساعدتي، وعلي أن أذهب للسفارة لتغيير الاسم وهى تعلم جيدا أن صلتنا كلاجئين تنقطع بالسفارة، ولدي خوف دائم منذ أن علمت أن أخي جاء لمصر ويبحث عني، إضافة إلى أنني أعاني أيضاً ماليا، لم أحصل على أية معونة، لأنه لم يتم تحديد وضعي حتى الآن.
وتعد الكنيسة واحدة من الجهات التى ترعى اللاجئين الأفارقة الذين يدين أغلبهم بالدين المسيحي، فتقدم لهم خدمات مختلفة سواء بالسماح لهم بالتعليم فى مدارسها أو تقديم إعانات مالية بسيطة، أو توفير الرعاية الصحية، وبالتالى لم يجد اللاجئون سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين سوى تلك الجهة الدينية ليلقوا منها الرعاية، وقد يضطر بعض اللاجئين لتغيير ديانتهم كوسيلة للتحايل على المفوضية والضغط عليها لإعادة توطينهم فى دولة أخرى بحجة أن الدولة المضيفة مصر لم تعد آمنة، وأنهم معرضون للخطر من قبل الجماعات الدينية المتشددة، مثلما فعل بشير أحد الأصدقاء المقربين لعمر وقام بتغيير ديانته فى مصر وفور سفره إلى أمريكا عاد لدينه الأول وهو الإسلام.«عندى استعداد أن أغير ديني لو عجل هذا من ترحيلي خارج مصر. وأقول هذا وأنا فى كامل قواي العقلية» بهذه الكلمات البسيطة أوجز الضو عبدالله الضو أحد اللاجئين السودانيين، استعداده لتغيير دينه مقابل التعجيل من توطينه فى أية دولة، وذلك بعدما سئم من بيروقراطية مكتب المفوضية السامية الذى أخبره منذ عام 2003 بأنه سيتم توطينه فى دولة أخرى وحتى الآن لم يحدث شىء.
يقول: جئت لمصر ، وعندما تم قبولي كلاجئ عملت لفترة كمرشد سياحي بجنوب سيناء حتى وقعت حادثة مصطفى محمود ورأيت إخوتي يسقطون أمام عيني فأصبت بحالة نفسية سيئة وتعالجت لفترة فى مستشفيات الصحة النفسية ولا أحتاج سوى توطيني فى بلد آخر ولا يلومني أحد إذا قمت بتغيير ديني. فمجتمع اللاجئين هنا والجهات التى نتعامل معها مسيحية لا يعطون امتيازات إلا لمعتنقي نفس الديانة.
يعلق على هذا الأمر أحد رجال الدين المسيحي، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، قائلاً: لا يقبل المجتمع الكنسي الاعتراف بإنسان غير ديانته لظروف معيشية أو لرغبته فى استغلال ذلك لأغراض محددة طالما أن هذا الإيمان الجديد لم يكن نابعا من داخله، مضيفاً أن الكنائس على مختلف طوائفها تقوم بمساعدة اللاجئين بصرف النظر عن ديانتهم، لأنها تنظر لهم من منطلق واحد وهو أنهم شركاء فى الإنسانية ومحتاجون ولا تطلب استخراج البيانات الشخصية لمعرفة ديانة طالب المساعدة إن كان مسلما أو مسيحيا، وتابع: تغيير الديانة فى مثل هذه الحالات لا يمثل عقيدة جوهرية، وهذا فى رأيي يعتبر تلاعبا بالأديان، ففي المقام الأول لا يعتد به، وقد علمنا الدين المسيحي أن نقدم المساعدة للإنسان أيا كانت ديانته أو جنسيته.
اغتصاب خديجة ومساومتها على جسدها
تلفت انتباهك من بشرتها البيضاء التى تجعلها مميزة عن أبناء قارتها، وجهها المائل إلى الحمرة ملابسها التى تتشابه إلى حد كبير مع ملابس فتيات العاصمة «القاهرة»، جلست فوق النجيلة وسط حديقة واسعة أمام مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمدينة 6 أكتوبر تصيح بكل ما لديها من قوة تتحدث عن حقوقها الإنسانية فى الحماية والرعاية التى غابت عنها طيلة حياتها، فهذه السيدة الثلاثينية تعرضت لحوادث اغتصاب وتحرش كثيرة أثرت سلبيا على نفسيتها وزادتها رغبة فى الرحيل من هذا البلد الذى لجأت إليه لتحتمي فيه ولكن خاب ظنها.
حياة مشردة تعيشها خديجة متنقلة بين بيوت الرجال والأصدقاء بحثا عن أربعة جدران تأويها من ذئاب الشارع الذين يلاحقونها فى كل مكان تذهب إليه، جاءت إلى مصر عام 2011 مع زوجها، ولكن سرعان ما تشاجرت مع زوجها فور وصولها لمصر وانفصلت عنه لتلقى المصير المجهول وحدها بلا قريب أو صديق، تتنقل للعمل كخادمة من منزل لآخر، وينتهى حالها بالطرد بسبب ضعف سمعها بشكل يجعل أصحاب المنزل غير قادرين على تحملها فلا تجد مأوى لها سوى الشارع.
تقول خديجة وهى منخرطة فى البكاء: نحن لم نأت هنا لننظف بيوت المصريين، نحن بشر لنا حقوق نريد من المفوضية حمايتنا ورعايتنا. وتتابع تفاصيل الحادث الأليم الذى تعرضت له قائلة: فى الأيام الأولى عقب الثورة كنت عائدة من منزل إحدى صديقاتي فى منطقة بولاق أبوالعلا ركبت «ميكروباص» ينقلنى لمدينة 6 أكتوبر وجدته يتجه بي لمكان مجهول ملىء بالعربات، وفجأة ظهرت أمامي دراجة بخارية يستقلها «4» شباب، قاموا بسرقة حقيبتي وأموالي واصطحبني أحدهم بالقوة أسفل الكوبري وقام باغتصابي، وعندما جئت للمفوضية ومعي جميع المحاضر والأوراق لم أجد أحدا يستمع لشكواي ولم آخذ حقي مما تعرضت له حتى الآن. وتضيف خديجة: تعبت من الحياة كل رجل أسأله المساعدة يساومني على جسدي، لا يوجد مصدر دخل لي وبعدما كانت المفوضية تساعدني بالمعونة الشهرية توقفت فجأة ولا أعرف السبب، أنا هائمة فى الشارع وأحيانا أحتمي فى منزل إحدى صديقاتي من شدة الخوف والرعب، لقمة العيش نتقاسمها سويا ونشرب عليها ماء ونحمد الله، أنا حياتي صعبة ولا يعقل أن أختبئ فى البيت طوال حياتي ولا أعمل لأجد لقمة العيش خوفا من البلطجية. من المفترض أن المفوضية هى التى تحميني من هؤلاء الذئاب الذين ينهشون جسدي، خاصة أنه من الصعب أن أعود للسودان مرة أخرى، حقيقي أنا لا أعلم الآن مصيري وأين أهلي.
حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، يقول إن مشكلة إعادة توطين اللاجئين ليست فى يد الحكومة المصرية وحدها، ولكن هناك أطرافا أخرى تتعلق بالدولة التى سيتم فيها إعادة التوطين والاشتراطات التى تضعها لهذا الشأن، ومن وجهة نظري ينبغي على وزارة الخارجية أن تتواصل مع منظمة جنيف وتشرك معها الأمم المتحدة لحل هذه الأزمة الإنسانية، فمصر لم تعد قادرة على استيعاب هذا العدد من اللاجئين.
عبدالرحمن صديق ناشط بالمجتمع المدني السوداني بالمهجر، يقول: مصر تحفظت على أهم البنود، عندما وقعت على اتفاقية جنيف وافقت والتزمت، بالجانب الذى يعترف فيه باللاجئ دون أن تعترف بحقوقه كاملة، مثل العمل، حق التجنس، المعاملة أسوة بمواطنيها، الحصول على وثائق السفر، التعليم لأبنائهم، الاستثمار، حرية التجمهر والتعبير، على عكس دول أخرى وهذا يشكل عقبة فى أداء المفوضية وشركائها، لأنهم فى النهاية يعملون تحت إشراف وتعاون وزارة الخارجية المصرية، وهذا يعني أنهم خاضعون لسياسة الخارجية، ولا يحق لهم وضع أي قوانين أو سياسات تتعارض مع التوجهات العامة للدولة المصرية، وهو ما ينعكس سلبا على أوراق وحياة اللاجئين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نأمل فى المستقبل القريب والعاجل أن يسن مجلس الشعب التشريعات التى يتم فيها إلغاء هذه التحفظات والقبول بكامل الاتفاقية والعمل على وضع سياسات لمساعدة المفوضية للقيام بعملها بشكل فعال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.