«السجن» أو«المعتقل» هذا العنوان نشأ خلف لافتة وتربى على أسوار حيطانه جرائم وممارسات بشعة فى حق البشرية وشمل الحالة كثير من دول العالم«العربي» منها و«العجمي» و«المسلم» وكذلك «الكافر» حالة فشل في الحد منها مؤسسات دولية وإقليمية كثيرة مثل الصليب الأحمر والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسانية بل بعض هذا المؤسسات قد تعامل مع الأمر بمعايير مزدوجة وتضليل وتزييف للحقيقة وتجييرها لصالح البعض.. لكن بمبدأ الإسلام وضمير وعدالة المجتمع عندنا فى السودان وبرغم التقلبات والاتجاهات الفكرية والسياسية لم يعد السجن عندنا مجرد غرفة مظلمة للتعذيب والعزل الانفرادى تنتهك فيها الإنسانية بقدر ما أصبح مؤسسة للإصلاح والتقويم بصدق وحقيقة وبات السجن مؤسسة يقدم المعينات كافة للنزلاء حتى يرتقوا بأنفسهم ويسهم بصورة فاعلة في تحقيق طموحاتهم ولا يترك لهم مساحة للتفكير السالب والشعور بأن السجن قد قلل من مكانتهم.. سقت كل هذا حتى أدخل بالتعليق على حالة إنسانية فريدة حدثت فى سجن كوبر أمس الأول وأضيف إلى سجل سابقاتها فى هذا السجن وبإرادة قوية للسجين موسى إسحق آدم الذي نال درجة الماجستير فى القانون الدولي «مفهوم طور السيادة فى القانون الدولي» من جامعة الزعيم الأزهري وهو مدان يقضي عقوبة السجن «15» عاماً في المحاولة الانقلابية التى جرت العام 2004م إبان فترة عمله بالقوات الخاصة وقد قضى من مدة العقوبة عشر سنوات ختم فيها القرآن واجتاز امتحان المعادلة في القانون ثم حصل على دبلوم عالٍ من جامعة جوبا ودبلوم عالٍ آخر فى الدراسات الإفريقية من جامعة إفريقيا العالمية.. قصة هذا النجاح وعلى أثيرها ومثابرة السجين المتفائل وعزيمته على تحقيق طموحه إلا أنها رسم صورة مشرقة مكتملة العناصر عن السجون فى السودان وما ينبغى ان تكون عليه من حيث تأصيل مفهوم الحبس والتحفظ «السجن» مقارنة بسجون وجلادي الدول من حولنا وتاريخ بعض الأنظمة السياسية فى المنطقة وبلادنا كذلك وما كان يدور فى معتقلاتها ودونكم سوريا الآن ومصر فى عهد عبدالناصر ومبارك وليبيا فى عهد القذافي.. هذه الأنظمة القاهرة لشعوبها قد أدركها ظلمها ونالت جزاء صنيعها فى إهدار كرامة الإنسانية والتمثيل بمخالفيها السياسيين ويكفي أنها لم تستطع أن تصمد ولو شهورًا أمام هجمة وضغط شعوبهم التى انتفضت وتحولت من بعد مسالمة إلى وحش كاسر وبرغم الترسانات العسكرية قد أظهرت شجاعة نادرة فى مواجهة الأنظمة المستبدة واقتلعتها.. نعود إلى حالة سجين كوبر ومن اللافت والمثير أن الرجل متزوج من فاطمة أحمد عيسى وهى ضابط شرطة برتبة المقدم وقفت بجواره رغم مشاغلها مع العمل وتربية الأبناء وعلى الرغم من أنه مدان فى جريرة سياسية لكن لم تلحق سياطها زوجته ولم تطاردها اتهاماته فقد جلست ببزتها العسكرية على المقاعد الأمامية داخل قاعة المؤتمرات بسجن كوبر التي شهدت حلبة المناقشة.. «فاطمة» قبلها كانت حالة الملازم شرطة كريمة المتمرد مالك عقار هذا الوضع الراشد لا يوجد إلا عندنا وهو أنموذج للدولة القوية والقادرة على التفريق بين الأشياء ومنح الحرية المنضبطة لشعبها وهى رسالة لمن حولنا ومن يروجون بأن بلادنا ليست معافاة إنسانياً كما أنها كشفت حقيقة أن السجن ليس هو غرفة سوداء للتعذيب يخرج منها الشخص بخسائر جسدية وآثار نفسية بالغة التعقيد وإنما هو مدرسة للإصلاح ومراجعة النفس والأوبة إلى الله.. وأختم بحكاية سجين آخر اقتحم قاعة المناقشة أمس الأول وهو متهم فى جريمة قتل لكنه كان أكثر تفاؤلاً أوردت حالته صحيفة حكايات الإجتماعية النشطة حضر وبيده ربابته وقد أنشد نغماً شجياً للحضور ابتدره برائعة إسماعيل حسن: «يا بلادى سلام» فقد أبكى الحضور وذرفوا دمعاً سخيناً مؤثراً بلغ مداه حين ردد المغني السجين المقطع :«تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سودانى واهل الحارة ما أهلي».. تهنئة خالصة لسعادة اللواء عمر عبد الماجد مدير سجن كوبر على القيادة الرشيدة ومساعدة السجناء واحترام آدميتهم فى وقت يجتهد فيه البعض على ارتكاب فظائع بحق السجناء وكسر شوكتهم فى كثير من بلدان العالم التى تتشدَّق بالإنسانية..