يقول الخبر المنشور في صحف الخميس الماضي إنَّ الرئيس البشير وجّه في اليوم السابق بتقديم خدمات الصحة والتعليم والمياه لثلاثين ألف مواطن شمالي عادوا من جمهورية جنوب السودان إلى ولاية النيل الأبيض. المواطنون الشماليون الذين تحدَّث عنهم الخبر عادوا بعد أن ضُيِّق عليهم الخناق وأُهينوا وطُردوا شرّ طردة من بلاد مكثوا فيها عشرات السنين بالرغم من أن سلفا كير رئيس الجنوب كان قد منّاهم وغيرهم من الشماليين بمنحهم الجنسية المزدوجة!! الرئيس أصدر توجيهه في حضور والي النيل الأبيض الأستاذ يوسف الشنبلي الذي تحدث عن هجرة معاكسة من جنوب السودان باتجاه الشمال حيث قال إن بيانات أجهزة الرصد على الحدود كشفت عن دخول (04 05) أسرة جنوبية عبر النيل الأبيض مضيفاً أن دخولهم (يأتي خلال فترة السماح التي أعلنتها حكومة السودان لتوفيق أوضاعهم)!! بالله عليكم هل من شيء يقطع نياط القلب ويفْري الكبد ويفقع المرارة أكبر من ذلك؟! فترة سماح تُمنح لأبناء الجنوب المقيمين في الجنوب ليدخلوا الشمال ولا تقتصر على الجنوبيين الموجودين في الشمال ممن لم يغادروا حتى اليوم إلى موطنهم الجديد!! فترة سماح من طرف واحد حيث يُطرد الشماليون من الجنوب بدون فترة سماح ولو ليوم واحد بينما يدخل أبناء الجنوب إلى الشمال وسيدخلون حتى بعد الأشهر التسعة فأمثال هؤلاء المنبطحين من مسؤولينا الذين يُجيدون إدارة خدِّهم الأيسر عندما يُلطمون في الأيمن لن نتوقع منهم غير تمديد الفترة إلى الأبد حتى لو كان في دخول هؤلاء ووجودهم بيننا تدمير لبلادنا وإفقار وخراب!! كتبنا قبل ذلك عن شكوى من مناطق كثيرة في العاصمة وغيرها امتلأت مجدداً بالسكن العشوائي وبالخمور البلدية وبستات العرقي ولكن ماذا نفعل غير أن نشكو يثّنا وحزننا إلى الله... بل ماذا نفعل مع من لا تستفزُّهم الحرب التي يشنُّها الجنوب على الشمال في النيل الأزرق وجنوب كردفان بالرغم من علمهم أن بعض أجندة هذا النزوح لا تخلو من استهداف للشمال وأمنه وسلامه الاجتماعي واستقراره السياسي؟! يقول خبر آخر نُشر قبل شهرين إن العشرات من الجنوبيين الذين أُنهيت خدماتهم بوزارة الصحة ولاية الخرطوم احتلوا بوابة الوزارة الرئيسية لساعات مطالبين بصرف استحقاقاتهم مما تسبب في تعطيل العمل في الوزارة وأدى إلى رجوع كثير من العاملين الشماليين إلى بيوتهم!! بالله عليكم اقرأوا الخبر (بالمقلوب) وتخيلوا رد الفعل.. أعني تُرى ماذا كان سيحدث لو قام شماليون في مدينة جوبا باحتلال إحدى وزارات الجنوب.. ماذا سيحدث لهم؟! لا أشك لحظة أنهم سيُبادون بأسوأ مما يُباد الجرذان ذلك أنهم يتعرضون أصلاً للتضييق والقتل والاستيلاء على الممتلكات بدون أدنى جريرة يرتكبونها؟؟ يحدث ذلك في قلب الخرطوم حتى بعد أن أصبح الجنوبيون أجانب وبالرغم من ذلك يتحدث بعضُ قصيري النظر عن منح الجنوبيين الحريات الأربع بل منحهم الجنسية المزدوجة ناسين مسيرة الدماء والدموع التي سادت العلاقة بين الشمال والجنوب على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان منذ فجر الاستقلال ومتناسين التوترات التي ضربت العلاقة بين الشعبين منذ تمرد توريت في أغسطس 5591م وحتى أحداث الإثنين الأسود في قلب الخرطوم بعد خمسين عامًا وتحديداً في أغسطس 5002م وقافزين فوق المخطّط الآثم الذي نشهد بعض فصوله اليوم في جنوب كردفان والنيل الأزرق من حرب يُراد لها أن تُنقل إلى الخرطوم بحيث يكون الوجود الجنوبي في الشمال قنبلة موقوتة يتزامن انفجارها مع تحركات عملاء الجنوب في الشمال من أمثال الحلو وعرمان وعقار وأبو عيسى!! متى بربكم يستيقظ هؤلاء النائمون ومتى تُفيق قبيلة النعام؟!