في 1911م انتزعت إيطاليا طرابلس وبني غازي ودرنة من تركيا. ثم بدأ احتلالها يتمدد تدريجياً في الأراضي الليبية. بهدف أن تستعمر ليبيا استعماراً استيطانياً. كما فعلت فرنسا في الجزائر، والصهانية في فلسطين. في يناير 1931م، احتلت القوات الطليانية (الكُفرة) معقل السنوسيين الحصين النائي في قلب الصحراء الليبية، حيث تكبدت خسائر جسيمة في معاركها ضد الثوار. وظل حينها سيدي عمر المختار يشنُّ حرب العصابات في (برقة). ولتمتد غاراته في منطقة الساحل كما امتدَّت من قبل في منطقة الصحراء. بلغت معارك عمر المختار التي خاضها ضد الطليان المحتلين ما يزيد عن (260) معركة. بعد سقوط (الكُفرة) لم يبْقَ للثوار الليبيين من منفذ إلى العالم غير الحدود المصرية الواقعة تحت حراسة الجيش الإيطالي وطائراته الحربية. لكن عمر المختار قيادة ضد المستحيل. فقد كان رغم الحصار والمطاردات والبطش وفظائع القوات الفاشية في الجبل الأخضر، وكل الوطن الليبي، كان مع ذلك يجتاز مع رجاله تلك الحدود بقوة السلاح لجلب احتياجات الثورة من الأسواق المصرية. بعد احتلال (الكُفرة) آخر معاقل الجهاد في الجنوب الليبي، توهَّمت إيطاليا أن خصمها الثائر العنيد عمر المختار سيتسلم، وأصبحت سياستها هي عزل الثوار عن مصادر أسلحتهم وملاجئهم الصحراوية جنوب الساحل الخصيب. وتنفيذاً لتلك السياسة تم بناء (جدار عازل) من الأسلاك الشائكة على امتداد (300) كيلو متر بطول الحدود المصرية. استغرق بناء الجدار العازل ستة شهور وصرفت مبالغ طائلة. وقامت بحراسة (الجدار العازل) ومراقبته أرتالٌ من السيارات المسلحة والطائرات الحربية. كانت الأوامر العسكرية هي إطلاق النار الفوري على كل من يحاول اجتيازه. في وسط تلك الحرب الثورية الطاحنة بقيادة سيدي عمر المختار ضد الإحتلال، فجأة وبالمصادفة، تم إلقاء القبض على قائد الثورة عمر المختار في ليلة 11/ سبتمبر 1931م، بالقرب من (سلطنة)، على يد سريَّة الرتل السَّابع من الخيَّالة وقد كانت تتعقَّب مجموعة من الثوار. ذلك بينما استشهد (12) من رفاقه. بينما كانت حشود الثوار في مكانها في الجبل الأخضر تتأهب لعملياتها العسكرية في حرب التحرير الطويلة. كان سيدي عمر المختار بعبقريته القتالية قد أدرك عدم جدوى مقاومة الطليان في الصحراء المكشوفة، واستحالة دحر القوات الفاشية التي دُفع بها في وجود الطائرات والسيارات المسلحة. فاتخذ منذ عام 1927م غابات الجبل الأخضر الكثيفة وتلالها المتكسِّرة مركزاً للمقاومة. حيث أجبر إيطاليا على خوض الحرب وفق شروطه وبتكلفة باهظة. كان الثائر المحارب عمر المختار أخطر القادة الثوريين الذين جابهتهم إيطاليا الفاشية في ليبيا. كان الزعيم الثائر عند اعتقاله في العقد الثامن من العمر. كان زعيماً وطنياً لا يساوم قط. كان للزعيم الوطني وقائد القبائل الثائرة مكانة عالية جداً وسط الليبيين، ووصفت البرقيات الدبلوماسية السِّريَّة البريطانية عمر المختار ب (الرئيس الفعّال والرهيب). في 15/سبتمبر 1931م بعد محاكمة صورية مُزيَّفة صدر الحكم بالإعدام ضد شيخ الثوريين المجاهدين سيدي عمر المختار. وتم تنفيذ حكم الإعدام في الساعة التاسعة من صباح يوم 16/سبتمبر 1931م. رحل سيدي عمر المختار إلى دار البقاء بعد أن عاش حياته كلها في الجهاد المقدس، وقد نال الإحترام لغيرته الدينية، بقدر ما نال الإعجاب لشجاعته. رحل عمر المختار ولا يضيره أن الصحافة البريطانية (المعادية للإستعمار) لم تنتقد إعدامه، ولم تشجب فظائع الفاشيين في الجبل الأخضر. ويُشار إلى أن صحيفة (التايمز) اللندنية في افتتاحيتها عند إلقاء القبض على الزعيم الإسلامي الثائر قد كتبت (لقد كان كفاحاً طويلاً ومريراً، وحرب غارات وغارات مضادة، وكمائن ومفاجآت، ومصير غامض، لقد حارب كثيرٌ من القادة المشاهير في ذلك الميدان «الليبي» العجيب بينهم فتحي بك وأنور باشا والغازي مصطفى كمال «أتاتورك» والمارشال «بادوليو» والجنرال «غرازياني» والجنرال «فارا» و«جعفر باشا» العراقي، وسيضيف المؤرخون في المستقبل اسم عمر المختار إلى القائمة). هكذا رحل أسطورة الجهاد ورمز البطولة والفداء سيدي عمر المختار الذي اعترف بعظمة جهاده وتفانيه ونزاهته ووطنيته، حتى الفاشيِّين الذين أعدموه. كانت غيرته الدينية وجهاده عشرين عاماً من أجل التحرير حتى الإستشهاد، صفحة مشرقة في كتاب الكفاح الإسلامي العربي ضد الغزاة. في التاسعة صباحاً يوم 16/سبتمبر 1931م وقف أبو الثوار سيدي عمر المختار بوقاره الرهيب الذي زلزل المشنقة قائلاً: (نحن لا نستسلم نحن ننتصر أو نستشهد). وقد كتب الكثيرون من الأحرار كتابات رائعة عن كفاح أبي الثوار عمر المختار، منهم المؤرخ والدبلوماسي العراقي فتحي نجدة صفوة.