من رفضوا اتفاق الحريات الأربع بين السودان ودولة جنوب السودان التي كانت إقليماً سودانياً متوتراً منذ عام «1955م» حيث انطلاق أول شرارة لحرب تقرير المصير، من رفضوا هذا الاتفاق على مستوى حزبي كحزب منبر السلام العادل أو فردي، لم يكن رفضهم هذا نابعاً من مبدأ رفض الآخر، لكنه كان كما يبدو تحسباً لفتح ثغرات ينفذ من خلالها كل ما يضر بأمن واستقرار وقدرات البلاد. وإذا لم نتحدث عن أي شكل من أشكال سلبيات مثل هذا الاتفاق، فإن صحيفة إسرائيلية هي يديعوت أحرنوت قد أسهمت بصورة فعّالة جداً في توضيح أن اتفاق الحريات الأربع يمكن أن يكون كارثياً على السودان، وحتى لو أن الحكومة السودانية وجدت فيه منافع للناس إلا أن ضرره أكبر من نفعه فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت خبراً يقول بأن دولة جنوب السودان هي التي أعطت معلومات لإسرائيل بواسطة عملاء في هذه الدولة دخلوا إلى مصنع اليرموك للتصنيع الحربي كعمّال.. وهذا أحسبه «فاول» يا أستاذنا الوزير إدريس وكل عام وأنتم معشر المفاوضين بخير. أحلام «ظلوط السياسي» يتحدّث ياسر عرمان عن مشروع سياسي في السودان قائم الآن على العروبة والإسلام، ويقول لبعض الصحف الأوربية وهي القارديان البريطانية أن رؤيتهم للسودان الجديد تقوم على الفصل التام بين الدين والدولة بقيام دولة علمانية».. انتهى. وهنا لسنا بصدد الحديث عن ردة عرمان التي فاقت ردة محمود محمد طه وهو يتحدث عن رفضه لمشروع سياسي قائم على الإسلام، فعلى ماذا يريده أن يقوم؟! هل على «أسس المعارف الأيدولوجية الماركسية اللينينية» التي كتب عنها الكاتب الروسي أفانا سييف بوضوح وصراحة وقال إنها دعوة إلى الإلحاد؟! أما حكاية العروبة التي يدرجها عرمان في تصريحاته الصحفية، فهي ليس لها موطئ حروف في أي طرح سياسي سوداني باستثناء حزب البعث العربي الاشتركي، وهو حزب يعاني مشكلة نمو سياسي، وليس له صوت مسموع إلا من خلال التحالفات سواء في الجامعات وسط طلاب الجبهة الديمقراطية أو في الساحة السياسية التي يمثله فيها داخل حلف الأحزاب المعارضة والممارضة السيد محمد ضياء الدين. يتحدّث عرمان وكأن الجنوب لم ينفصل ليترك نسبة المسلمين في جمهورية السودان الثانية تكاد تكون كاملة، أكثر من «97%» أليس من حقها أن يقوم المشروع السياسي فيها على الإسلام؟! ولماذا يكون في أوروبا أحزاب دينية صليبية مثل الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني؟! وفي إسرائيل حزب شاس الديني بقيادة الحاخام عوفاديا يوسف، وعرمان يؤمن بأن إسرائيل دولة ديمقراطية طبعاً، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يحج إليها عرمان من حين إلى آخر يوجد هناك اليمين المسيحي الذي يؤثر بقوة على رسم السياسة الخارجية، ويقول بعد ذلك للقارديان البريطانية: «رؤيتنا للسودان الجديد تقوم على الفصل التام بين الدين والدولة بقيام دولة علمانية». إن الرجل لم ينظر بعمق إلى فشل الدولة العلمانية في تركيا ولا الدولة الإلحادية في الاتحاد السوفيتي.. لذلك تراه يحمل أحلام «ظلوط السياسي». إن طبيعة الدولة يا عرمان هي التي تحدد شكلها السياسي سواء كان في إطار ديمقراطي أو شمولي، ولا داعي لهذا الانفعال ثم لا داعي للإحراج السياسي الذي يعقب هذا الإنفعال. { تحالف الأحزاب المواقف شتّى إذا كان تحالف أحزاب المعارضة قد حذّر على لسان ممثل حزب البعث فيها الحكومة من التعامل مع إيران، فنقول ما دام أن حزب الأمة القومي هو أحد أحزاب هذا التحالف فإنه حينما كان حزباً حاكماً في الثمانينيات كان رئيسه رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي على علاقة جيدة جداً مع إيران حتى رأى البعض أنه يحاول منافسة ومزاحمة الإسلاميين بهذه العلاقة، ترى هل يتفق حزب الأمة الآن مع محمد ضياء الدين ممثل حزب البعث في تحالف الأحزاب المعارضة، أم أن هذا التحالف على طريقة تحسبهم جميعاً وقبولهم شتى؟!