العلاقات السودانية الإسرائيلية ظلت في درجة تحت الصفر رغم أن السودان ليس من دول المواجهة الا انه ظل منذ قيام دولة اسرائيل يعلن عداءه السافر لها. وفي عام 1967 وعقب نكسة يونيو عقد بالخرطوم مؤتمر القمة العربي المعروف بمؤتمر اللاءات الثلاث وهو اشهر واقوى مؤتمر عقد في تاريخ مؤتمرات القمة العربية. وظلت اسرائيل تدعم التمرد في جنوب السودان وقد شهد شاهد من قادة تمرد انانيا تو بالجنوب واقر بهذه الحقيقة وكشف الغطاء عن المغطى واماط اللثام عن اسرار ومعلومات كثيرة ووجد التمرد الأخير منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي دعمًا ماليًا ولوجستيًا ضخمًا من اسرائيل بل ان بعض العملاء الذين ظلوا يطعنون وطنهم من الخلف اخذوا يرتمون تحت اقدام غلاة المعادين للسودان بامريكا واخذوا يزورون اسرائيل ولا مانع عندهم من الاستعانة بالشيطان الرجيم للوصول لاهداف ذاتية دنيئة وايديهم ملطخة بدماء الابرياء. وان دولة الجنوب قد تبادلت على جناح السرعة فور قيامها التمثيل الديبلوماسي مع اسرائيل التي تريد ان تتخذ من دولة الجنوب نقطة انطلاق ومرتكز ارتكاز لها في قلب افريقيا. وفي اطار حرب المياه التي تخوضها اسرائيل فانها سعت لمد جسور التعاون مع دول المصب وهي تطمح في اخذ حصة معتبرة من مياه النيل بالشراء او بأي وسيلة وفي سبيل ذلك وضمن عوامل اخرى من بينها اسباب امنية متعلقة بان تتصل بالبحر الأحمر فإنها تتحرش بالسودان سرًا وجهرًا وتحرض وتدعم الجارة الجديدة الوليدة لتكون شوكة حوت في حلق السودان وتتذرع في عدائها وهجماتها المتكررة عليه بانه يدعم حركة حماس وتدَّعي ان ايران وغيرها تمرر لها السلاح عبر السودان بل تدعي انها تحتضن من تصفهم بانهم ارهابيون يعملون ضدها. وبالطبع ان هناك اسرارًا عسكرية وسياسية عليا لا نلم بها نحن عامة المواطنين ولكن ان السودان كدولة مستقلة حرة من حقه ان يصنع الأسلحة غير المحظورة والممنوعة دوليًا ولكن القوى الاستعمارية الصهيونية تريد ان تمنعه من هذا الحق المشروع وتريد ايضًا ان تحظر عليه استيراد السلاح منها ومن غيرها، اي ان امريكا وربيبتها اسرائيل ومن يدور في فلكهما يريدون ان يكون السودان ملوي الذراع مقوس الظهر منحني القامة. وان بعضهم يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته او يتنصلون من اشتراكهم في الجريمة او العلم بها قبل تنفيذها وقد ادعى مسؤول كبير في المخابرات الامريكية انهم لا يعلمون بهذه الغارة الغادرة الا بعد وقوعها ولعل مرد هذا التصريح انهم يخافون على رعاياهم في العاصمة وفي غيرها من وقوع اي هجمات عليهم جراء الغضب الشعبي العارم على هذا الجرم الجائر الذي حاق بالسودان ولعل هذا المسؤول الامريكي يدرك او لا يدرك ان الخرطوم هي اكثر عاصمة في المنطقة يجد فيها الأجانب الحماية والأمن والأمان وان الامريكان يمارسون رياضة الركض والجري بملابسهم الرياضية في شوارع الخرطوم وهم في روح معنوية عالية واطمئنان لا يجدون مثله في اي عاصمة اخرى بالمنطقة. وان الدفاع عن الوطن الغالي والحفاظ على الامن القومي يأتي على رأس الاولويات التي تعلو ولا يعلى عليها. وهناك دروس ينبغي استخلاصها من جريمة الهجوم على مجمع اليرموك وهي ان هناك اجماعًا على ان تكون المناطق العسكرية بعيدة عن وسط العاصمة وعن الاحياء السكنية وان تكون بعيدة عن مستودعات البترول والغاز وقد استشهد في الغارة الاخيرة ابرياء نسأل الله سبحانه وتعالى ان ينزل على قبورهم شآبيب رحمته ويدخلهم فسيح جناته وان يشفي الجرحى. ولكن هناك حقيقة وهي ان اي منشأة يقصدون قصفها في المستقبل لا قدر الله فانهم سيفعلون ذلك ولو كانت في الخلاء والعراء بعيدة عن السكان وان الواجب يملي ان يعلن الشعب كله ادانته لهذه الغارة الغادرة ليدرك اولئك الصهاينة ان ما فعلوه لا يخص النظام الحاكم ولكنه جرح ألمّ بالوطن كله بحاكميه ومعارضيه وان الجميع قد اجمعوا على ادانته.. وان الذود عن الوطن يتطلب الاستعداد لخوض اي حرب مشاة ولكن مثل هذه الغارات الجوية الغادرة التي تُستخدم فيها تقنية متقدمة لا تصدها حرب مشاة ولا بد من الحيطة والحذر لأن من هاجم اليرموك فجأة ربما تحدِّثه نفسه لا قدر الله بضرب منشآت حيوية إستراتيجية أو بقصف القصر الجمهوري او قصف بيت الضيافة وقد لا يحدث شيء من هذا ولكن لا بد من التحوط لأسوأ الاحتمالات وان هؤلاء الصهاينة يريدون بجريمتهم توجيه رسالة لايران لزعمهم ان السودان تربطه بها اواصر سرية في مجال السلاح رغم ان الشعب السوداني لم يلمس اثرًا واضحًا لإيران في مجالات الزراعة والصناعة والبنيات الاساسية في السودان.. والواجب في أعلى المستويات ايلاء السياسة الخارجية والدفاعية أقصى درجات الاهتمام والوطن بحاجة لتحالفات قوية في كل المجالات مع مراعاة المصالح العليا للوطن. وقد افادت التحرشات الاجنبية النظام الحاكم وعلى سبيل المثال فان اعلان اوكامبو عن ضرورة القبض على البشير جعل الشعب السوداني يلتف حوله ويهتف باسمه بصفته رأسًا للدولة ورمزًا لسيادتها وكرامتها اي ان اوكامبو قدم له هدية في صحن من ذهب في الانتخابات الفائتة وقد أدى اوكامبو دورًا كبيرًا في فوز البشير وفي فوز المؤتمر الوطني بمقاعد الرلمان، اي يمكن اعتبار انه كان امين عام التعبئة الشعبية لحملة البشير الانتخابية. والآن فإن الجريمة اللئيمة التي ارتكبها الصهاينة قد أوقفت أو بالاحرى جمدت الشد والجذب حول مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة التي ستجري بعد اكثر من عامين في عام 2015 وخمدت بعد الجريمة التي ارتكبها الصهاينة حالة الفوران والتوترات التي سبقت انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية ولولا تلك الجريمة اللئيمة لشهدت الساحة في هذه الأيام استقطابات وشد وجذب وحرب باردة بين بعض التيارات ولكن تلك الجريمة قد اخمدت نيران الفتن ومن العجيب ان الداء قد اصبح دواء وفي البداية والنهاية يجب ان يدرك الجميع ان الوطن مستهدَف ولا بد من التسامي على حظوظ النفس الفانية والالتفاف حول قضاياه الحيوية في وحدة وطنية تكون ترياقًا مضادًا ومصدًا قويًا تجعل الاعداء يعيدون النظر في حساباتهم الخاطئة.