قلت بالأمس إن قانون المناطق المقفولة الذي صدر في العشرينيات من دولة انجلترا كان متزامناً مع وعد بلفور الذي صدر من ذات الدولة.. وإذا كان وعد بلفور قد افرز دويلة اسرائيل التي زرعت في قلب العالم العربي وقامت بطرد سكان فلسطين وارهابهم وتشريدهم وإبادتهم، فإن ذات القوى الصهيونية الغربية قد افلحت في زراعة دولة جديدة في قلب افريقيا بذات المواصفات وذات الأدوار والمهام ونفس الأدوار وفصل جنوب السودان عن شماله لم يتم عقب الاستفتاء الذي جرى بكل سلبياته.. ولا بموجب اتفاقية السلام الشامل التي ارغمنا على توقيعها.. ولا بموجب الانتخابات الحرة والديمقراطية الشفافة التي أُجريت.. وانما تمت عملية الفصل وتقسيم البلاد يوم فرض علينا القانون في ظل الاستعمار البريطاني تماماً كما فُرضت اسرائيل على الأمة العربية وزُرعت في فلسطين عام 1948 والفارق بين الاثنين فقط اننا اطلنا امد التنفيذ وحاربنا وقاتلنا لأجل الحفاظ على وحدة التراب حتى كلَّت ايدينا وصارت الحرب بيننا وبين الغرب بصورة مفضوحة ومباشرة كما نعيش ونرى الآن. اليوم نعيش تداعيات القضية الفلسطينية إلى أي مدى بلغت.. حق العودة حدود 67.. القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.. والدولة نفسها أين هي..الوحدة الوطنية.. فلسطين تعيش نفس السيناريو الذي نعيشه اليوم.. نحن عاجزون عن الاتفاق على الوطن «الوحدة الوطنية» نختلف ونبالغ في الاختلاف لدرجة تفضيل الاستعمار على الحكم الوطني.. نختلف على الدستور.. نختلف على الانتخابات منذ أن ترك لنا المستعمر سحره وعصاه وخرج مطمئناً بأن تلاميذه وحلفاءه وخلفاءه لن يخذلوه ولن يبارحوا أماكنهم يوم تركهم ورحل والدولة الجديدة التي تأخذ «نفس الملامح والشبه» وتؤدي نفس الدور الذي تؤديه الدولة العبرية في العالم العربي.. واختيار بلادنا لتكون حاضنة لإسرائيل ولم يتم اعتباطاً.. فالسودان دولة كبيرة وعريقة وذات حضارة متجذرة.. والسودان غني بموارده المستخرجة والكامنة.. وهي بلاد المعادن والبترول.. وهي بلاد الأراضي الخصبة والمياه بكل مصادرها المطرية، الجوفية ونهر النيل العظيم.. تماماً كما فلسطين بلاد الخيرات والمقدسات.. ودرة الهلال الخصيب.. نحن انجررنا جراً إلى شراك الانفصال.. نظرنا إلى المعارضة التي اعترفت بحق تقرير المصير للمتمردين.. اختطفنا الأمر وقلنا.. بيدي لا بيد عمرو.. ولم نضع أية حسابات لما بعد تقرير المصير.. لم نحسب حسابات المخطط وأبعاده لم ننظر بعيداً لأهداف واصل قانون المناطق المقفولة.. لماذا صدر وما هي الأهداف البعيدة والأجندة الخفية.. التي ترمي إلى زرع دولة صغيرة جديدة قوية تمتلك جميع مقومات الدولة العظمى ثم تنقلب على الدولة الأم عبر مختلف السيناريوهات ارحمها ما تردده قياداتها باتفاقية الحريات الأربع.. إن تداعيات اتفاقية السلام الشامل سوف تستمر إذا لم نستعد الوعي القومي.. ونوحد الجبهة الداخلية ونقف بقوة في وجه المخطط الذي يرمي في خلاصته إلى تفتيت السودان والتهامه خطوة خطوة.. وإبادة العرب والمسلمين وملاحقتهم شارع شارع.. وزنقة زنقة.. وبيت بيت.. تماماً كما حدث في شرق افريقيا.. وكما يحدث في فلسطين.. وهذه ليست بهواجس ولا تخرصات.. وإنما هي قراءة متأنية.. ومقارنة بسيطة.. وغداً لناظره قريب.. وقريب جداً.. ولا نريد ألا يستبين أهل السودان ساسته وقادته النصح بعد ضحى الغد!!