يشهد العالم في الرابع عشر من نوفمبر من كل عام احتفالية تثقيفية وتوعوية كبرى تقودها منظمة الصحة العالمية بمساهمة الكثير من الهيئات الحكومية والمؤسسات والجمعيات الطبية والصحية إضافة لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات ذات الصلة وذلك للعمل على تقليل مخاطر الإصابة بمرض السكري وبأكثر من ذلك العمل على نشر ثقافة صحية ترفع من مستوى الوعي الصحي بالمرض وتحد من انتشاره، خاصة وأنه قد أصبح في السنوات الأخيرة وعلى مستوى العالم من أشد الأمراض خطورة وأكثرها انتشارًا، فاحصائيات منظمة الصحة العالمية تشير الى ان هناك ما لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين مليون اصابة بالسكري في العالم بل ويُتوقع لها أن تتضاعف في العقد الثالث من الألفية اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن، خاصة في ظل تغير نمط الحياة في الكثير من مناطق المعمورة والميل الى تبني ثقافة غذائية تبتعد كثيرًا عن الطبيعة وتعتمد أسلوبًا غذائيًا غير متوازن يقترن غالبًا بقلة النشاط والحركة وهي أهم الأسباب الجوهرية التي أدت مرتبطة ببعض المسببات الأخرى الى تفاقم حالات الاصابة بالمرض وتزايد خطر مضاعفاته وقادت لأن تعلن منظمة الصحة العالمية في تصريح مفزع أن المرض يتسبب في حالة وفاة كل عشر ثوانٍ على مستوى العالم، بل وبأخطر من ذلك فقد أعلن الاتحاد العالمي للسكري أنه يمثل أخطر داء في العالم بعد أمراض الأوعية المخية والسرطان، وأنه يتجه لأن يصبح وباء عالميًا. و لهذا ترتفع في الرابع عشر من نوفمبر من كل عام وتيرة الاهتمام بالتعريف بهذا المرض ومضاعفاته وطرق تجنبه والسيطرة عليه حيث تشتعل معالم أكثر من مائة وستين من الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للسكري بأضواء النيون الزرقاء التي تشكل حلقة دائرية تشع زرقة هي شعار الحملة العالمية ضد المرض وذلك رمزًا لقوة الجهود العالمية المبذولة لتطويقه والحد من آثاره المدمرة، خاصة وأنه وبخلاف تأثيراته السلبية على الأفراد، فإنه يهدد مستقبل التنمية في الكثير من دول العالم، وبالأخص البلدان الفقيرة التي تزداد خطورة انعكاساته السلبية عليها بأكثر من غيرها حيث إن أكثر من ثمانين في المائة من الوفيات العالمية جراء المرض تنحصر في هذه الدول وهو ما يمثل عامل تهديد شديد الخطورة على مستقبلها التنموي ناهيك عن كل شيء آخر.. ولهذا فإن نشر الثقافة الصحية عن المرض عبر تخصيص هذا اليوم العالمي هي أقل ما يمكن عمله لتغيير واقعه في الكثير من دول العالم وبخاصة تلك التي توصف بأنها الأكثر تأثرًا به وتأتي المنطقة العربية في صدارة أكثر عشر دول موبوءة حيث ترتفع معدلات الإصابة ومضاعفاتها في سبع دول عربية من أصل العشر المصنفة عالميًا. وقد تم حصر مدى الاصابات في المرحلة العمرية ما بين العشرين والتاسعة والسبعين من العمر، وهو ما يمثل كارثة انسانية بالمقام الأول وتنموية من بعد ذلك لأن هذه الفترة تمثل سنوات العطاء والنشاط على كل المستويات. وتشير الكثير من الاحصائيات العلمية العالمية في مستوى آخر إلى أن الأطفال في طريقهم لأن يصبحوا الأكثر تعرضًا للإصابة بالمرض وذلك وفقًا لما أصبح يمثل عادات غذائية لهم في الكثير من دول العالم فالثقافة الاستهلاكية التي أضحت طابعًا للحياة في العديد من الحواضر أدت لتعرضهم لحملات اعلانية شرسة وغير منضبطة تظل تدفع بهم لتناول مواد خالية من أي قيمة غذائية وبأكثر من ذلك تناول كميات من السكريات والدهون تفوق حاجة أجسامهم الصغيرة واغراق المدارس والأسواق بهذه المنتجات ثم تقاطع كل ذلك مع انخفاض مستوى الحركة والنشاط تبعًا لنمط الحياة الذي أدخله التلفزيون والالكترونيات في مجملها وهو ما تضافر ليؤدي الى كوارث صحية عديدة ليس السكري أسوأها ولكنه بكل تأكيد أكثرها انتشارًا.. وفي ذات السياق أكدت الكثير من الدراسات الحديثة في بعض الجامعات الأوربية ارتباط انتشار المرض بالتغيير الذي تتعرض له المواد الغذائية نتيجة للتخزين لفترات طويلة بالثلاجات واستخدام المواد الكيميائة كمواد حافظة في الأطعمة بل وبأكثر من ذلك التغيير الجيني الذي تسببه المعالجات الوراثية للكثير من المزروعات من أجل تحسينها.. وهو ما أصبح بالتأكيد طابعًا للممارسات الغذائية في الكثير من دول العالم بلا استثناء تقريبًا.. وبالطبع فإن عوامل الوراثة وبعض الأمراض كأورام البنكرياس وبعض الالتهابات الأخرى تكاد تكون مسؤولة عن الكثير من حالات الإصابة عالميًا. وتؤكد دراسة علمية أجراها باحثون سويديون امكانية معرفة قابلية بعض الأشخاص للاصابة بالمرض قبل سنوات قد تصل الى خمس قبل الإصابة بالمرض، وذلك اعتمادًا على احتواء بعض الخلايا المنتجة للأنسولين والذي يتسبب الخلل به بمرض السكري علي نوع معين من البروتينات وزيادة هذا البروتين بالدم تؤدي لأن يكون الشخص أكثر عرضة للإصابة بالمرض خمس مرات أكثر من غيره، مما يجعل منه علامة خطورة قوية تظهر في دم الشخص قبل سنوات من ظهور المرض. وفيما تتواتر بعض الانباء عن قرب التخلص نهائيًا من مرض السكري عقب اكتشاف العلاج له من بعض المؤسسات العلمية والجامعية في بريطانيا وأوربا، بل وتسجيل براءة اختراع لعلاج هذا المرض فإن المرض لا يزال يحصد العديد من الضحايا ويصنف على أنه القاتل الصامت رقم واحد في العالم وبمثل العديد من الدول فإن السودان ليس استثناء من حزام المرض العالمي فبحسب احصاءات وزارة الصحة والتي تؤكد أن سبعين بالمائة من المصابين لا يدرون بإصابتهم، برغم ذلك فإن المتوفر من الاحصاءات يؤكد أن هناك ما يقارب الثلاثة ملايين مصاب عشرون بالمئة منهم أطفال. وتزداد الخطورة اذا علمنا أن مضاعفات المرض أصبحت تصل نسبتها الى ما بين عشرين وخمسة وعشرين بالمائة بحسب الاحصائيات الرسمية، وهو ما يعني ضمن ما يعني أن الرعاية الصحية لمرضى السكري لا تسير وفق ما ينبغي لها وأن هناك الكثير من الخلل برغم الجهود التي تُبذل للحد من المرض ومحاصرته، فالمطلوب أكثر بكثير ولا بد من الاهتمام بكل ما يتعلق بالمرض بدءًا من الحملات التوعوية بكيفية التعامل مع المرض دوائيًا حال وجوده والنظام الغذائي الذي يجب أن يتبعه المريض وليس انتهاء بالرياضة التي لا بد أن تدخل في ثقافتنا الصحية ليس كترف وانما كحاجة ضرورية في ظل أنماط حياتية أصبحت ذهنية أكثر منها حركية خاصة في اوساط الشباب والأطفال الذين يمثلون القوة لحاضر البلاد ومستقبلها على حد سواء.