يعرف الشك بالتردد في الفعل بين حدوثه وعدم حدوثه وقد تكون له أسبابه فربما كذبة صغيرة تكون شرارة لنار شك دائم ومتقد وأحيانًا يكون شكًا غير مبرر هذا بالنسبة للشك عمومًا ولكن عندما يكون الشك في إطار الحياة الزوجية فهو يحيلها إلى جحيم لا يُطاق. الشك قد ينشأ نتيجة لغيرة طبيعية تتسع دائرتها لتصبح غيرة مرضية ومن ثمّ إلى شكوك وظنون واتهامات، أجرينا استطلاعًا وسط أزواج وزوجات من المكتوين بهذه النيران كما استعنّا برأي الاختصاصي النفسي واصطحبنا معنا رأي الدين في ختام جولتنا.. «ك. س.» متزوجة منذ «6» سنوات تحكي عن قصتها مع الشك: كل مشكلاتي مع زوجي بسبب شكوكه التي لا تنتهى والسبب بسيط جدًا وهو هاتفي الجوال لا يفتح إلا بواسطة «رمز الحماية» وهذا الأمر يثير حنقه، ولقد حاولت أن أبرِّر له ذلك مرارًا وتكرارًا بأني قمت بعمل هذا الرمز لأن أطفالي الصغار يعبثون بهاتفي وكثيرًا ما يقومون بإجراء مكالمات ويزعجون بها الآخرين أو يلعبون «القيم» من داخل الهاتف مما يؤدي لتلف البطارية ولكن هيهات! وتحاشيًا لأي مشكلات قمت بإيقاف رمز الحماية وهنا «دخلت» في دوامة أخرى تساؤلات عديدة «ده رقم منو؟؟ المكالمة دي مدتها طويلة! كنتي بتقولي في شنو أصلو»! وأخيرًا قررت أن أكون بلا هاتف حتى أُزيل تلك الهواجس من رأسه! «ول ع، م» قصة مشابهة ولكنها آثرت أن تمتلك جهاز هاتف آخر بشريحة منفصلة دون علم زوجها لتتواصل مع الآخرين! «أ،أ،ع» في العقد الرابع من عمره يعمل مسؤولاً كبيرًا في أحد القطاعات يحكي «مأساته» كما أطلق عليها هو قائلاً: كثيرًا ما تقوم زوجتي بالبحث في هاتفي وبحكم عملي فإني أتعامل مع فئات كثيرة من النساء فتقوم زوجتي بتحين فرصة عدم وجودي بالقرب من هاتفي لتتصل عليهن ومن رقمي لتمطرهن بوابل من الأسئلة «انتي منو؟ علاقتك بيهو شنو؟؟ و...؟ و...؟» مما يجعلني في حالة حرج دائم مع زميلاتي خاصة المتزوجات منهن فأوصاني أحدهم بعمل رمز حماية للهاتف وبالفعل هدأ بالي من ناحية اتصالها بزميلاتي ولكني مازلت موضع اتهام وشك بالنسبة لها. ولكن ل «ف. م. م.» قصة مغايرة فلم تقف شكوك زوجها وظنونه عند الهاتف بل تعدَّت إلى أبعد من ذلك تقول: بمجرد حضور زوجي إلى المنزل تبدأ التحقيقات معي من حضر بغيابي؟ وعندما أُجيب بالنفي أن لا أحد! يقول إنه رأى أثر «جزمة» رجل أمام باب المنزل! وذات مرة وجد كاسات عليها أثر عصير في حوض المغسلة بالمطبخ فسأل عن السبب أجبت بأنهنَّ جاراتي كن في زيارة لي فما كان منه إلا أن توجه بالسؤال لابنتي الصغيرة ذات الخمسة أعوام! حياتي معه جحيم لا يُطاق لكن أعيش معه من أجل أبنائي. «أ. أ.» يحكي عن نفسه قائلاً: زوجتي لا تربطها علاقة جيدة مع أسرتي فعندما تهاتفني إحدى أخواتي اضطر للتحدث بعيدًا عن مكان وجود زوجتي وهذا يؤجِّج فيها نيران الشك، ولكن إذا تحدثت أمامها تتهمني بأني أتعمد إغاظتها! ولنقف على الموضوع من ناحية علمية التقينا الاختصاصي النفسي زكريا محمد صالح فأفادنا بقوله: الإنسان كائن اجتماعي وتتشكل شخصيته من نواحٍ عقلية ووجدانية وجسدية واجتماعية مترابطة بعضها مع بعض. في هذا الموضوع لا بد لنا من أن نميِّز ما بين الشك والغيرة، فالشك سلوك يصدر عن الفرد نتيجة لعدم الثقة، أما الغيرة فهي شعور عاطفي طبيعي يحسه الفرد تجاه شخص ما، والغيرة نوعان: طبيعية ولها دوافعها كالحب والاهتمام وهذه تؤدي للاستقرار، أما المرضية فليس لها مبرر ولها تأثيرها السلبي على الإنسان وأفكاره. ومن الناحية النفسية هناك اضطراب نفسي يُعرف ب«الاضطراب الضلالي» وتكون شخصية المريض فيه متماسكة إلى حد كبير واختياره للواقع سليم نسبيًا ولكنه يُصاب بضلالات تسمى «ضلالات الغيرة المرضية»حيث يقتنع المريض قناعة تامة بأن زوجته أو محبوبته تخونه بدون سبب مقنع. والشك يعني الارتياب وهو مرحلة أخطر من الغيرة لما فيها من اتهامات وسلوكيات ضد الطرف الآخر ويقسّم الشك إلى ثلاثة مراحل أولها الشك السوي أو العادي ويكون مبنيًا على فكرة أو موقف واحد وينتهي بانتهاء الموقف، وثانيًا هناك شك متعلق بسمات الشخصية، فبعض الناس الشك سمة شخصية بالنسبة لهم، أما الثالث فهو الشك المرضي وهو الذي يحول الحياة إلى جحيم لا يُطاق ويتولد عنه العدوان اللفظي والجسدي ويولِّد مشكلات صحية وأسرية ومهنية واجتماعية. وله عدة أسباب منها الشائعات والتفسير الخاطئ لسلوك الآخر وتعميم المواقف. أما بالنسبة لعلاج الشخص كثير الشك فهو يحتاج لعلاج نفسي واجتماعي ولا بد من المكاشفة والحوار والصراحة والوضوح والتفاهم والكلمة الطيبة. كما ختمنا استطلاعنا برأي الدين حيث التقينا الدكتور إبراهيم علي عبد الله جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية فسألناه عن مدى صحة الفتوى التي يتداولها العامة وتنص على تحريم المرأة على زوجها إذا ما دخل بينهما الشك، فأجاب قائلاً: هذا كلام لا مجال له من الصحة.. لكن الشك أو الظن في مجمله مرفوض، يقول الله تعالى «إن بعض الظن إثم» ويقول عليه الصلاة والسلام «إياكم وسوء الظن»، ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام: «خصلتان لا شيء بعدهما من الخير حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله، وخصلتان لا شيء بعدهما من الشر سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله». فالشك بين الزوجين يدخل في عموم الشك والمدخل الأساسي فيه مبني على الشبهات وعدم الثقة بينهما فعلى الزوجين الابتعاد عن الشبهات فذلك يقوي علاقتهما الزوجية.