قام بالجولة: على الصادق البصير يعتبر سوق ستة بالحاج يوسف من أكبر اسواق محلية شرق النيل، بل يتميز بلونية غريبة جعلت منه سوقاً فوق العادة، ومبيعاته كذلك تتميز أحياناً بمخالفة طبيعة الاشياء، فالسوق يتكون من وحدات جمعت كل شيء حتى التي لا تخطر ببالك، فعند المدخل من الناحية الغربية للشارع الرئيس تذوب أذناك من ضيجيج عوادم الركشات التي يقودها صبية بمختلف أعمارهم، اضف الى ذلك زيهم «الراندوكي» المماثل لما تبثه سماعات تلك الركشات من موسيقى صاخبة على وزن «قلبها بي» و«السايق الركشة دقه الرقم خشَّ». توجهت ورفيقي مصطفى محمد القاسم الذي تولى مسؤولية التصوير والتدقيق في تلك الوجوه الكالحة، صوب السوق المنكوب خلال أيام العيد بحريق أتلف الأخضر واليابس، وأخرج العديد من صغار التجار من حلبة التجارة، وحقيقة كانت هناك بعض التساؤلات تدور في أذهاننا حول استعادة السوق وتنظيمه بحيث يكون أكثر أمناً وسلامة، ولكننا فوجئنا بأن السوق المؤقت قد قام على ذات النسق التقليدي القديم، فها هي رواكيب الخيش المربوطة بتوصيلات الكهرباء العشوائية تعود كما كانت، وبالجهة الشرقية للسوق وتحتها المئات من الناس تجاراً ومواطنين وباعة يفرشون اللحوم والخضروات والعروق والتوابل والعطور وكل شيء يخطر أو لا يخطر ببالك، ولا ننسى بائعات الشاي اللائي ظلت مناقدهن «فحم وغاز» في حالة اشتعال دائم، وقد رصدنا العديد من الظواهر الغريبة، فدعونا نذهب معكم غرب الشارع في أولى محطاتنا. توجهنا صوب جزارة الفراخ التي جذبتنا اليها تلك الرائحة النتنة، ويمكن أن تشم بالحلوق بدلاً من الأنوف، ويبدو أن تلك الرائحة ممزوجة بغاز سام بمقدوره أن ينفذ من خلال مسامات الجلد، فالناظر لتلك الترابيز ومن يقفون عليها لا يخطر بباله إلا ذلك الخبر الذي نعيد نشره لتنشيط الذاكرة ومن ثم مقارنة الوقائع بالواقع. والخبر يقول: «تمكنت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس في ولاية شمال كردفان من ضبط ألفي كيلوجرام من الفراخ الفاسد على متن شاحنة «دفار» في سوق مدينة الأبيض الكبير بحاضرة الولاية قادمة من العاصمة الخرطوم. وأشار مدير الهيئة بالولاية، أبا يزيد الشيخ الطيب، إلى أن وحدة التفتيش والرقابة بالأبيض رصدت وجود رائحة كريهة نتيجة لتعفن الفراخ وعدم وجود ديباجة توضح تاريخ إنتاجه. وأوضح أن الفراخ تخص أحد المتعاملين مع الشركة التي شحنت الفراخ من الخرطوم إلى الأبيض. وأضاف الطيب قائلاً إن الهيئة نفذت عدداً من الحملات أسفرت عن ضبط كميات من الفراخ الفاسد بالمدينة» «انتهى الخبر». والشاهد في ذلك أن هذه الكميات من الفراخ الميت والمتعفن صارت تسوق في هذا السوق الذي يبيع كل مكونات الفراخ بما فيها الأرجل، ولا أعني الأفخاذ بل الأرجل ذات الأصابع الثلاثة، ومكونات بطن الفراخ المتشكلة من «القلوب والكبد وبعض الجلافيط». وقفنا نتساءل عن طريقة البيع، فهناك من يبيع بالوزن ومنهم من يبيع بالكوم، فكوم الجلافيط ب «3» جنيهات، وكوم الأرجل الذي فيه حوالى «20» رجلاً بجنيه فقط، وهذا ما اشتريناه ليعطينا البائع كيساً زيادة فاصبح عدد الأرجل «40» رجلاً، أما كوم الأجنحة والحلاقيم فإنه ب «4» جنيهات، وسألنا عن كيلو الفراخ المكون من الافخاذ ولحم الصدر فوجدناه ب «12» جنيهاً لكن يمكن بيعه في حدود «9» جنيهات، والفرخة الكاملة التي تزن حوالى 3 كيلوجرامات ب «18» جنيهاً. كما لاحظنا أن تحت الترابيز كميات كبيرة من الملح، إضافة لجردل به ماء ملح يتم فيه غمر الدجاج الميت من حين لآخر وعلى مرأى من الجميع، فسألنا البائع عن هذه العملية، فقال إن ذلك يحمي اللحوم البيضاء من الدود. وكاد رفيقي مصطفى أن يتقيأ، فخرجنا من السوق ومازالت تلك الرائحة تطاردنا من حين لآخر، وسوف نروي لكم في أعدادنا القادمة مشاهد أخرى أكثر غرابةً ونتانةً.