كثيرة هى الظواهر التى باتت تحاصر الاستقرار الاسرى بل تهدمه وتجعل كل فرد فى الاسرة فريسة سهلة المنال للضياع... نزوح الآباء وفرارهم من المسؤولية تجاه اسرهم اصبحت من العادات السالبة والمنتشرة بصورة لافتة للنظر... «الملف الاجتماعي» طرق هذا الجانب فى حياة أسر نزح آباؤهم فضاع ابناؤهم فكانت كلمات جسدت معاناة كل اسرة عاشت على امل ان يعود الاب او ان تسمع عنه ما يطمئنها ويزيد املها بعودته. الانتظار على شرفة الأمل «آمنة» أم لستة اطفال خرج زوجها منذ خمس سنوات ولم يعد فعاشت تحلم بعودته وترسم لابنائها الغد بالوان زاهية ولكن فى قرارة نفسها تدرك تمامًا ان من ترك ابناءه للضياع لن يعود ولكنها تقول «عشت معه عشر سنوات عرفت طباعه وتعودت عليها كان لايبالي بمتطلبات ابنائه فتأقلم كبارهم على الوضع... كانت حياتنا رتيبة ولا جديد فيها وهو لا يعمل الا نادراً وفى الغالب يسافر الى قريتنا بالشهور دون ان يعرف كيف نعيش اما فى الفترة الاخيرة فكانت شكواه متكررة من المنزل والاولاد واخيراً حمل حقيبته ودون وداع خرج ومن يومها تحملت مسؤولية الاطفال وعملت لتوفير لقمة العيش ومتطلبات الدراسة والعلاج والسكن ولكن كان هنالك سؤال أراه فى اعين ابنائى عنه وكنت دائماً اجعلهم ينتظرون على شرفة الأمل عله يعود ... ولكن هيهات. ضاع أكبرهم.. فماذا بعد؟! تقول عائشة وهى احدى السيدات اللآئى دفعن ثمن هروب ازوجهن من المسؤولية تجاه ابنائه انها بقيت طوال فترة هروبه تحرص على ان يكون ابناؤها تحت سقف واحد ولكنها فشلت فى ذلك واضافت: «كان همى الاكبر ان لايكرر ابنائى خطأ والدهم الذى تركنى واياهم فريسة سهلة للتشرد والضياع وفرحت فى بادئ الامر لتوهمى اننى نجحت فى ذلك ولكن الصدمة التى جعلتنى اتنبه هى أنني فقدت اكبرهم بحجة انه لا يريد ان يدرس فخرج ولم يعد، بحثت كثيراً ولم يحالفنى الحظ فى العثور عليه والآن اعيش فى كابوس ان اصحو يومًا ما فلا اجد اربعتهم. ثماني سنوات من الانتظار «ع.ع» سيدة اربعينية تعيش هي وابناؤها فى منزل اسرتها وهى ضحية للانتظار المرعب بعد ان خرج زوجها فى ظروف غامضة ولم يعد.. ثماني سنوات سمعت خلالها انه توفي فعاشت حزن الارملة لفترة تبين بعدها انه يعمل فى احدى الولايات فجن جنونها واحتار ابناؤها، وبعد مدة قضتها بين التردد والامل قررت ان تبدأ رحلة البحث عنه ليكمل مشواره مع ابنائه ويشرف على تربيتهم وتقول: «سافرت لاعود به ولكنى فوجئت به وقد تزوج وكون اسرة جديدة ونسي امرنا وعندما علمت زوجته بالامر طلبت منه الانفصال فرحل عنها بحجة العمل تاركاً وراءه ثلاثة اطفال وعلمت فيما بعد انه سبق ان تزوج وترك زوجته فى احدى القرى دون ان يعلم احد بمكانه»، وتضيف: لقد مزقت صفحته من دفتر حياتى واخبرت ابنائى بحقيقة والدهم فنسوا امره وها نحن نجاهد لنوفر لبعضنا الامان والاستقرار ولكن يبقى هروبه شرخًا فى جدران حياتنا لا يمحي الخديعة والفاجعة «ح» متزوجة من رجل ميسور الحال ويعمل تاجراً وفى يوم فاجأها بقرار السفر ليوسع تجارته ويزيد من رزقه فرحبت بالفكرة على وعد ان يعود كل شهر ليشاركها تربية الأبناء الصغار وبدأت الحكاية بقولها «سافر ليعمل وودعته وكلى امل ان يمل الوحدة ويعود لبيته ويرضى بما قسمه له المولى الكريم ولكنه استطاع ان يؤقلم نفسه على الغربة «كما خيل لي» وكان يتصل بى كل شهر او بعد اسبوعين ليطمئن إلى حالنا وكنت اشد من ازره واسانده وبعد مضي اربع سنوات علمت بانه متزوج واب وانه يقيم فى الوطن ولا يغادره الا من وقت لآخر لجلب البضائع ثم يعود فكانت الفاجعة... وكنت انا وزوجته ضحيتين لكذب ونفاق زوج مستهتر لايفقه ان تربية الابناء بمعزل عنه تؤدى الى الضياع... طلبت الطلاق ولكنه رفض وسافر الى جهة غير معلومة مخلفاً وراءه ابنة وابن على وشك الضياع. اتفقوا فاختلفنا! «م. و.ز.» شقيقات تزوجن من رجال فقراء يعملون «برزق اليوم باليوم» وكن صابرات لا يشكون من الفقر الى ان اتفق ازواجهن على السفر الى مناطق تنقيب الذهب للعمل وكان اتفاقهما مصدرًا لخلاف الشقيقات فكل واحده منهن تلوم الاخرى على ان زوجها هو السبب مضت عشرة اشهر على سفرهم ولا خبر يؤكد سعيهم وراء العمل وعاشت الاخوات وابناؤهنّ ظروفًا قاسية من مرض وضيق وتشرد ولا وجود لازواجهن سوى بعض الامل المغتال فى نفوس اسر تحارب شبح التشرد. رأي علم الاجتماع يقول الاستاذ محمد احمد خبير تنمية المجتمعات ان علماء الاجتماع يرون ان الاسرة العربية المحافظة قد تعرضت لعدة هزات خلال الثلاثة عقود الماضية بسبب الهجرة غير المرشدة وحركة النزوح المطّردة من الريف الى الحضر وحركة النزوح واللجوء الى دول الجوار دون اصطحاب الاسر قد اثرت سلباً في تركيبة الاسرة والمجتمع العربى المحافظ والذى اساسه تكوين الاسرة الصالحة ومشاركتها فى تربية الابناء وان هجرة الاب دون اصطحاب الابناء والزوجة سبب مباشر فى ارتفاع معدلات الطلاق الذى يؤدى الى تفكك الاسر حتى ان بعض علماء الاجتماع قالوا ان الضعف فى المجتمعات المعاصرة يتزايد فى شكل متوالية هندسية بينما الزواج فى شكل متوالية عددية ومنها نلحظ ان الهجرات اثرت في التركيبة النوعية للمجتمع بمعنى ان عدد الاناث فى المجتمعات العربية اكثر من عدد الذكور ,ويؤكد الخبير ان الهجرة الداخلية فى المجتمع السودانى شهدت تزايدًا خلال العامين الماضيين نسبة الى ارتفاع معدل الفقر فى المجتمعات الريفية والحضرية مما جعل اغلب الشباب يتجه الى مناطق تنقيب الذهب لاعتقادهم بانه عائد سريع يستطيع عبره الشاب تنمية وتحسين اوضاعه ولكنه للاسف ليس فى كل الاحوال تأتى الرياح بما تشتهى السفن فقدارتفعت معدلات الطلاق للغيبة الذى نص عليه قانون الأحوال الشخصية 1991مما يعرض الأسر للتسول والتشرد والضياع ويؤدى للتفكك الاسرى مما يفقد المجتمع السودانى التماسك الاجتماعى وتفشى الظواهراللاأخلاقية فى مجتمعاتنا المحافظة ونلحظ كثرة الطلبات المقدمة لديوان الزكاة لطلب المساعدة وتزايد المهن الهاشمية التى تقوم بها نساء الحضر والتى لا تخدم المجتمع ولا تدفع بعجلة الاقتصاد وخلاصة القول ان الهجرت الداخلية بكل ايجابياتها لها بعض السلبيات فقد يفقد صاحبها احيانًا حياته فى الصحراء او يقع فى الاسر مثل ما حدث للشباب الذين قبضوا فى السجون المصرية قرابة العام دون معرفة ذويهم وجهاتهم وتعج المحاكم الشرعية بدعاوى الطلاق خشية الفتنة كما تكثر أعلانات «خرج ولم يعد».