ينتظر نقابة الأطباء، والعديد من النقابات المهنية، دورٌ حاسم في تطوير المهنة. حيث أنّ الإسراف في تسييس النقابات المهنيّة، أعاق تطوير القطاعات التي تنتمي إليها تلك النقابات. منذ قرابة نصف قرن، اخترقت (جرثومة الحزبية) النقابات المهنيَّة والعماليَّة والطلابيَّة أيضاً!. حيث أصبحت تلك المجتمعات المهنية ساحة للصراع الحزبي القادم من خارج تلك المجتمعات. لذلك بعد (57) عاماً بعد الاستقلال أصبحت النقابات المهنيَّة أحزاباً سياسيَّة، أكثر منها فعاليَّات تبادر بالتطوُّر ورسم المستقبل المهني. نقابة الأطباء مثلاً اشتُهرت بالإضرابات وإعلان العصيان السِّياسي، أكثر من شهرتها في طرح مبادرات لتطوير علاج الملاريا أو حتى إدارة المستشفيات على أسس حديثة. نقابة المهندسين أصبحت مشهورة بالمجادلات السياسيَّة، أكثر من شهرتها في علاج عيوب بناء مستشفى الذرَّة بود مدني أو عيوب كبري شمبات أو كبري القوات المسلحة!. أيضاًَ أصبحت النقابات منطقة وسطى بين ممارسة المهنيَّة والتعيين الوزاري. بسبب أن السياسة خرَّبت مهنة الطبّ، لم يتطوَّر طبّ المناطق الحارة، منذ خروج بريطانيا من السودان، ولم تتطور المؤسسة الطبية على أُسس الإحتياجات الطبية الوطنية الواقعيَّة. يُلاحظ عدم وجود شبكة علاقات فكريَّة، في الحقل الطبّي في السودان. مثلاً... لا توجد دورية علمية تختصّ بإبراز أحدث الأفكار السودانية والتطوُّرات و(الحالات) والسوابق الطبيَّة في السودان. هل تتمْ ممارسة الطبّ بلا (ذاكرة) طبية سودانية؟. هل انتقلت الثقافة الشفهية من البادية إلى مهنة الطبّ في السودان؟. في دائرة المجتمع الطبّيّ وأروقته، كيف يتمّ نقل وتبادل أحدث الأفكار الطبيّة الأصيلة، المتعلِّقة بأمراض ومرضى السودان؟. هل توجد شبكة بينهم لنقل الأفكار والملاحظات وتطويرها؟. متى سيتمّ تأسيس هذه الشبكة؟. إلى متى تظلُّ مهنة الطب وغيرها (خارج الشبكة)؟. متى يتمّ إرساء تقاليد التبادل الفكري والحوار الفكري، حول القضايا الطبيّة الخاصّة بالسودان؟. في أمريكا مثلاً توجد مجلة (نيوإنجلاند جورنال أوف مِيدِسِن). هل يمكن أن نرى نظيرتها السودانيّة؟. ما سبب الإستحالة؟. بروفيسور محمد صديق علي نشر في (32) دورية علمية طبية، كم منها سودانية؟. بروفيسور محمود محمد محمود، مكتشف سلالة الذرة (ود أحمد) نشر في عشرين دورية علمية زراعية. كم منها سودانية؟. خدمة أخرى تقدِّمها الدوريَّة العلميَّة، وهي إبرازها أحدث الدراسات والكتب والأبحاث المنشورة وغير المنشورة، في مهنة الطبّ وفروعها، على مستوى العالم. كذلك تنشر الدوريات العلمية أخبار أحدث التقنيات وفعاليّات المؤتمرات والحلقات الدراسية في حقل الطبّ. ذلك إضافة إلى الأبحاث العلمية التي قُدِّمت في الجامعات والمؤسسات ومركز الأبحاث والمؤتمرات. عندما تقرأ كتاباً مثلاً عن مياه النيل، تجد في الجزء الأخير من الكتاب ببليوغرافيا، تتضمن قائمة بقرابة مائتي كتاب جديد، تمّ تأليفها، في الفترة الأخيرة حول الموضوع. الطب والهندسة والصيدلة والزراعة والبيطرة ليست إستثناءً. نقابة الأطباء، ونقابة المهندسين، ونقابة المهندسين الزراعيين، ونقابة البيطريين، ونقابة الصيادلة، ونقابة الزراعيين، وغيرها، ينتظرها دور كبير في النهضة العلميَّة والوطنيَّة. السودان ينتظر منذ ما يزيد عن نصف قرن تلك المساهمات، من كوادره المهنيّة، داخل الوطن، وكوارده المهنية خارج الوطن. السودان تعب من تسييس المهن. السودان ينتظر الدور الجديد للنقابات المهنيّة. الدكتور مصطفى محمود خرج عن مهنة الطبّ واختار الصحافة. الدكتور يحيى الفخراني غادر مهنة الطب واختار التمثيل. الدكتور (ديڤيد أوين) خرج عن الطب وأصبح وزير خارجية بريطانيا. هل الأطباء النقابيّون في السودان، عند انتخابهم يخرجون عن المهنة وتطويرها، ويختارون السياسة؟. هل أصبحوا (أطباء بلا حدود مهنيَّة) سودانيَّة؟.