لا شك أن الشريعة محلها الصدق.. وكل من تلبس بها وقام فيها وذبَّ عنها فهو أيضاً محله الصدق.. والشريعة تنزلت من لدن رب صادق.. وتنزل بها ملك صادق. على نبي صادق ومصدق.. وتلقاها منه رجال صادقون وصديقون.. ليس من صفاتهم ولا في أخلاقهم ولا في شمائلهم أسمى ولا أعظم من الصدق. ومن وعد بالشريعة وأخلف ففجره كاذب.. وكلما تطاول به العهد والوقت والوعد.. تأكد فجره الكاذب.. ولكن أكذب من الذي يعد بالشريعة ولا يطبقها ذاك الذي ينكرها ويرفضها.. فهو لا يعِد بها ولا يمني أحداً بتطبيقها.. وهذا هو بالضبط ما تفعله الجبهة الثورية التي أعلنت ميثاق الفجر الجديد.. واسمه الحقيقي ميثاق الفجر الأكذب.. وقد دعا فيه الموقِّعون عليه إلى نظام علماني تكون فيه الحقوق والواجبات على أساس المواطنة وليس على أساس الدين ولا العِرق ولا الجنس.. إلى آخر الصياغة الترابية الممجوجة والمعروفة. ومع أن أعظم دهاقين العلمانية وهو مهندس دستور المواطنة العلمانية للعام 1998م قد انسحب من جبهة الفجر الجديد ومعه صهره.. إلا أن البعض لا يزال يحملق في هذا الفجر الأكذب ظناً منه أنه سيكون بديلاً من الإنقاذ.. ولا يزال بعض المتشاغلين بالسياسة يهرعون نحو كمبالا يوقعون على ميثاق الفجر الأكذب ويحاولون إضفاء بعض الهالة على أنفسهم.. لا على الميثاق ولا على الجبهة الثورية.. دعونا نكون صادقين.. إن هؤلاء القوم ليسوا ضد الإنقاذ.. ولا يسعون إلى اسقاط الإنقاذ.. إنهم يسعون إلى إبعاد الإسلام عن السياسية وعن الحياة. إنهم ليسوا ضد سيئات الإنقاذ.. ولكنهم ضد حسنات الإنقاذ.. إن كان للإنقاذ حسنات.. وحقاً إن كان للإنقاذ حسنات فهي أنها ظلت منذ ربع قرن من الزمان لا ترفض الإسلام ولا الشريعة ولكنها ظلت تمني بها.. وتعِد بها.. وتلوِّح بها.. وتتقدم بها خطوة وتتراجع بها خطوات. إن الخوف على الشريعة ليس من الفجر الأكذب ولا من الجبهة الثورية العلمانية.. إن الخوف على الشريعة يأتي من الإنقاذ.. ومن أخطاء وخطايا الإنقاذ.. ومن إحجام الإنقاذ عن التطبيق الفوري والناجز. إن الإنقاذ توفر للفجر الأكذب تعلة وذريعة وتكأة للهجوم على الإسلام. إن دعاة الفجر الأكذب يزعمون أنهم يسعَون إلى إسقاط الإنقاذ بالطرق السلمية وبالثورة المسلحة.. وبالانتخابات. لقد أعلنت الإنقاذ ذات مرة أن الشريعة كانت تعاني من الدغمسة.. وأن عهد الدغمسة قد انتهى وجاء عهد الصدق.. وعهد الوضوح والثبات.. وما زلنا نعيش في ظل الدغمسة الإنقاذية ولعلنا سنعيش طويلاً.. إن الجبهة الثورية وميثاق الفجر الأكذب.. يرفض حتى الإسلام المدغمس.. إنه لا يريد الإسلام ولو كان مدغمساً.. لذلك يجب أن تذهب الإنقاذ بما هي عليه من الدغمسة ليحل محلها العلمانية والديموقراطية والدولة اللا دينية بل الدولة المعادية للدين وللإسلام على نحو مخصوص.. هذا ما يطلبه الفجر الأكذب.. فجر ميثاق كمبالا. ويبدو أن أصحاب الميثاق ما زالوا في سنة أولى سياسية قطعاً هم أقل من سنة أولى كياسة.. وليتني لو استطعت أن أقول إنهم سنة أولى ديانة.. إن هؤلاء القوم يحسبون أن قضيتهم مع الإنقاذ.. لذلك هم يحشدون الدنيا.. ويؤلبونها على الإنقاذ.. ويعرضون بسببها السودان كله للبيع.. ونحن نعرف سوق النخاسة السياسية.. ونعرف النخاسين الجدد الذين يبيعون التبر بالتراب أو كما يقول سماسرة الكسر «السوميتة بي ربيتة». ولكن للتبر صاغة يعرفون قدره.. وللدر و«السوميت» جواهرية يقيِّمونه بالشعيرة وبما هو دونها من أوزان ويذبُّون عن حياضه لا كما تفعل الإنقاذ.. بالوعود والأماني والزعيق والهياج. إن هؤلاء الذين تكأكأوا على الإنقاذ.. يحسبون أنهم تكأكأوا على الإسلام.. ولكنهم تكأكأوا على جيفة لا علاقة لها بالإسلام.إن الخدمة التي قدمتها الإنقاذ لأصحاب ميثاق الفجر الكاذب لا تقدَّر بثمن.. قدمت لهم ذريعة يحاربون تحت رايتها الإسلام.. لأن الإنقاذ ما زالت تدَّعي أنها إنما تقوم على الإسلام وبالإسلام ومن أجل الإسلام.. والواقع المشاهد يكذب هذا الادّعاء ولكن الخدمة التي قدمها أهل ميثاق الفجر الأكذب للإنقاذ أكبر بكثير من الخدمة التي قدمتها لهم الإنقاذ.. فميثاقهم الكذوب عبارة عن «منفستو» ضد الإسلام من أوله إلى آخره بل هو لا يكاد يغادر شيئاً مما يمكن أن يكيد به للإسلام وأهله إلا احتواه حتى الحديث عن «الجندرية» و«النوع الاجتماعي» ثم.. والديمقراطية والمواطنة وحقوق النساء وكلها من لحن القول ليس فيها من الحق والصدق ما في قلب إبليس!! إنك إذا قرأت ميثاق الفجر الأكذب عجبت مما حشدوا فيه وكدسوا من رؤى وبرامج حتى لكأنك تسمع أزيز الطائرات وهدير الدبابات على مشارف القصر الجمهوري.. وكأنّ دولتهم قائمة اليوم أو غداً.. وأهل الإسلام في السودان سيدافعون عن دينهم وعقيدتهم ووطنهم الذي يصفه الميثاق الأكذب بأنه متعدد الديانات.. سيفعلون ذلك في كل الأحوال إنقاذ أو لا إنقاذ. إلا أنني لا أغادر هذه المنصّة حتى أدعو أهل الإنقاذ الذين ليسوا هم في الواقع بأهلها أن يقولوا كما قالت امرأة العزيز.. الآن حصحص الحق ويعودوا والعود أحمد ويتوبوا إلى الله من الدغمسة كما وعدوا، ويعودوا إلى الشريعة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له أو كما قال.