عند النظر للقضايا المتشعبة التي يعاني منها المغتربون نجد انها ذات ابعاد مختلفة اقتصادياً وسياسياً وايضاً اجتماعياً وهو البعد الاكثر اهمية، فعندما قرر محمد كمال الهجرة الى الخارج كان يرتكز تفكيره على الاستقرار المادي الذي يؤدي الى مستقبل زاهر، وكان قراره مبنياً على عدم العودة نهائياً نسبة لما عاناه في بلده من ضغوط جعلته يفر بجلده للخارج، وكانت المفاجأة عودته النهائية بعد سنين عدداً ليست بالكثيرة ولم يأتِ بجيوب مترعة بالمبالغ النقدية بل بالكثير من الحزن والاسى على ما امضاه في تلك الغربة العنيدة وما فقده فيها من اشياء معنوية خصمت كثيراً من انسانيته بين الناس.. هذه القصة لم تبادر ذهني ابداً وانا اشاهد جموع العائدين من الشقيقة ليبيا باحتياجاتهم ومتعلقاتهم الشخصية في انتظار رحمة السلطات المعنية بترحيلهم ودفع الضرر عنهم وهم بين ظهراني اهلهم وبلدهم، وهم خرجوا منها بحثاً عن مستقر ومقام طيب لهم ولأبنائهم مقبل الايام فواجهتهم الحياة باسوأ فصولها من خلال الحرب التي انهت عرش المستبد معمر القذافي وافقدتهم الكثير وشقاء عمرهم الذي اهدروه في الغربة، فقلبت لهم ظهر المجن واصبحوا في العراء بين ليلة وضحاها بلا مأوى او راع يوفر لهم سبيل العيش الكريم.. هذه كانت احوال العائدين من ليبيا واعينهم تحكي وتقص كل ما واجهوه وعانوه خلال فترة الحرب تلك، والتي ان كانت الدلائل تشير الى انتهائها الا انها تُدار خفية وبصورة اشرس لا ترحم فيها القريب والغريب عن البلد، فالعودة من بلد اشتعلت فيه الحرب تجعل النفوس البشرية تائهة وغير مستقرة مما يحتم وجود دعم نفسي واستقرار مكاني لها حتى تهدأ من هذه الوعثاء التي ادخلت الخوف والارتياب في نفوسهم، من منا لم يكن له اخ او اخت وعاد وهو يعض بنان الندم على ما قضاه في بلد الاغتراب؟ هذا غير الآلام النفسية التي تجعلهم يعانون من الوحدة النفسية وان كانوا بين اهلهم واحبابهم.. تقاطعات السياسة مع الاقتصاد والاوضاع الاجتماعية افرازاتها جد خطيرة بين من يعود من دول الاغتراب التي شهدت حروباً جمة، ومؤشراتها كل حين تزداد بين الناس وتصبح واقعاً مفروضاً على المجتمع الذي ينبغي ان ينتبه لها جيداً وقبل ذلك الجهات التنفيذية ذات الصلة المباشرة بالقضية بتوفير ادنى درجات الاهتمام النفسي والاجتماعي حتى يستطيع هؤلاء العائدون التأقلم مع المجتمع ونسيان ما مروا به من خطر افقدهم الثقة حتى بانفسهم.. إن كان هذا حال عائدي الجارة ليبيا، فكيف يكون وضع السودانيين الموجودين بسوريا؟ مجرد سؤال!!