بالرغم من أن مسودة قانون الصحافة الجديد الذي أودع البرلمان، قد لاقت نقداً من اتحاد الصحافيين وعدد كبير من الصحافيين، بل أن الاتحاد على لسان نقيبه د. محيي الدين تيتاوي نفى أن تكون النسخة المودعة هي التي تم الاتفاق عليها بواسطة اللجنة الثلاثية، التي كونت لهذا الغرض وشملت ممثلين للمجلس الوطني ومجلس الصحافة واتحاد الصحافيين، لكن المؤشرات تقول إن القانون الشبح الذي لم تعرف الجهة التي عدلته حتى الآن، في طريقه حتماً للإجازة ربما بعد إجراء تعديلات طفيفة تسبح حول النصوص ولا تغوص فيها، وكان د. الدكتور محيي الدين تيتاوي نقيب الصحافيين السودانيين قد شن هجوماً صريحاً على مسودة القانون الجديد وقال: «فوجئنا بقانون صيغ بليل يختلف تماماً عما اتفقنا عليه» متسائلاً: «من الذي وكيف تم إعداد هذا القانون السيء والرديء»؟ واعتبره انتكاسة كبيرة في مجال الحريات الصحفية، وقال إنه مخالف لكل القوانين العالمية والإقليمية وحتى المحلية، باعتبار أن التطور الصحافي في السودان، انتقل إلى الاتجاه الإيجابي على مر التاريخ السياسي السوداني. وأشار إلى أن الجهة «الغامضة» التي فرضت نفسها عضواً في اللجنة المكونة من البرلمان والاتحاد والمجلس بغرض صياغة القانون الجديد، دعت وبصورة غريبة إلى انتزاع السجل الصحفي من الاتحاد وإعادته إلى مجلس الصحافة والمطبوعات. وكان اتحاد الصحافيين العرب قد انتقد تحويل السجل الصحافي من الاتحاد إلى مجلس الصحافة. وقال في بيان صحفي سابق وفق «الجزيرة نت» إن تسجيل الصحافيين الأعضاء في أية نقابة أو جمعية أو اتحاد حق أصيل لهذه النقابات وليس من شأن أية جهة أخرى. وأعلن تضامنه مع اتحاد الصحافيين السودانيين في حقه الاحتفاظ بالسجل الصحفي لعضويته، وقال إن أية محاولة لنزع هذا الحق ستشكل تراجعاً خطيراً في مجال الحريات الصحفية وانتهاكاً واضحاً لحقوق النقابات والاتحادات بالنسبة لسجل عضويتها. تلك هي التداعيات التي كان لا بد من ذكرها حتى تتضح الصورة، ثم لا بد لنا من أن نطرح عدداً من التساؤلات حول قضية القانون لعل أولها هو: هل القانون الحالي يحوي نصوصه حريات مطلقة تهدد الأمن والسلام الاجتماعي، وأنه يمكّن من القذف والسب بحيث يظل القانون الجنائي متفرجاً ومكبلاً؟ ثم هل كل القضايا التي فصلت فيها المحاكم لصالح الصحافيين والصحف كانت بسبب عجز القانون وقصوره وانحيازه للصحافيين، أم لأن الصحافيين بالفعل عملوا بمهنية وفق المستندات والبينات التي احتكموا لها واقتنعت بها المحاكم؟ وهل حال القانون الحالي من إغلاق صحيفة أو إيقاف صحافي عن الكتابة أو مصادرة عدد من الصحف أو التمكين لصحيفة جديدة رغم أنف مجلس الصحافة أو التمكين لصحافي من تولي المراكز القيادية في الصحف رغماً عن اللوائح المنظمة؟ إذن إذا كانت كل هذه المحاذير وكل هذه الإجراءات الاستثنائية لم يحول القانون القديم من إنفاذها، فما الذي تبقى من المحاذير تريد تلك الجهات تضمينها في القانون الجديد؟ والغريب أن تأتي هذه الخطوات المكبلة في ظل حكومة استطاعت الاحتفاظ بالحكم حتى الآن لمدة زادت عن العقدين من الزمان، مكنت فيها ذاتها على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ذلك فكل النقابات العمالية والاتحادات الطلابية تقريباً، كلها موالية للحكومة وجل الحكومة مشكَّلة من الحزب الحاكم، ومعظم مقاعد البرلمان أيضاً من الحزب الحاكم، إذن فلم المحاذير والفوبيا. لقد كان من المتوقع في ظل الظروف الضاغطة التي تمر بها البلاد أن لا تضيق الحكومة واسعاً، وأن تترك للصحافة هامشها المتاح حتى يمكن أن تعبر عن هموم الجماهير الحقيقية وفق الشرع والقانون، وبلا عقبات ومتاريس ظاهرة ومستبطنة طالما كان ذلك بمسؤولية وفي إطار القانون الجنائي والأعراف الأخلاقية، إذ أن الضغوط تولد الكبت، والكبت يولد الانفجار في النهاية. أخيراً، إن من حق اتحاد الصحافيين أن يشرف على السجل الصحفي، وأن يكون الغربال بيده لا بيد جهة أخرى تفتح بوابتها لمن تريد وتغلقها في وجه من لا تريد. ولا شك أن الحكومات لا تفقد سلطتها وسلطانها لأن الصحافة نالت هامشاً معقولاً من الحرية، وأن الاتحادات هي التي تحكمت في عضويتها، لكن الذي يبعدها حقاً من سدة الحكم هو انغلاقها في كهف محكم بعيداً عن هموم الجماهير ونبضها، وتمكين مراكز القوى من الفساد والظلم.