مما لا شك فيه أن عملية تهريب السلع والبضائع الاستهلاكية إلى دولة الجنوب، كانت وما زالت معول هدم اقتصاد شمال السودان، لا سيما بعد الانفصال، إذ شددت السلطات الأمنية والحدودية على محاربة تلك الظاهرة والحد منها وتنفيذ العقوبات الرادعة لها، وقد جاء الالتفاف حول هذا القرار وبجدية كبيرة عندما وقع الدولتان اتفاقية التعاون المشترك، وضمن الاتفاق تنظيم التجارة الحدودية مع دولة الجنوب إضافة إلى الاتفاقيات الأخرى التى اُرجئت إلى حين تنفيذ القضايا الأمنية أولاً. إلا أن هذا الاتفاق ما زال رهن التنفيذ لأن دولة الجنوب درجت على نقض المواثيق والعهود. بعد قيام قوات الجيش الشعبي باحتلال هجليج وأعلنت ضمها للجنوب، ولا شك أن الخطوة أثارت حفيظة جميع أهل السودان حكومةً وشعباً، ولم يهدأ بال القوات المسلحة حتى أعادت هجليج مرة أخرى الى حضن الوطن وكبدت الجنوبيين خسائر فادحة. و يوم إعلان استرداد هجليج وقف النائب الأول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه مُخاطباً الشعب السوداني قائلاً: «هلا هلا على الجد» وللحديث بقية. وأضاف قائلاً: «ستكون البندقية هى الآلية الوحيدة للتعامل مع مهربي السلع إلى دولة الجنوب الغادرة، وسنتعامل مع هؤلاء المهربين بطريقة اضرب واقتل (shoot & kill ) ولا تراجع عن هذا القرار». ومنذ ذاك الحين أخذت حركة المهربين تنحسر يوماً تلو الآخر. ومع تعليق الاتفاقيات والتوتر الذي ظل حتى الآن سيد الموقف، بدأت تنشط حركة المهربين مرة أخرى وعاودت الظهور إلى مسرح الأحداث مما قاد السلطات المعنية لاتخاذ وإعلان قرارات منها إعلان اتحاد عام غرف النقل تشكيل غرفة عمليات لضبط المتفلتين الذين يهربون البضائع والوقود إلى دولة الجنوب، في وقت طالب فيه الدولة بتشديد الرقابة على المناطق الحدودية للقضاء على ظاهرة التهريب التي يمارسها بعض التجار الجشعين الذين يعملون لصالح جهات خارجية معادية للدولة، مؤكداً ذلك رئيس شعبة اللواري والدفارات السفرية بالاتحاد عبد اللطيف البشير فقير، أن غرفة العمليات تضم جهاز الأمن والمخابرات والشرطة والمرور السريع والأمن الغذائي وعدداً من الجهات ذات الصلة، مبيناً أنها ستكثف جهودها لضبط المتفلتين وتشديد الرقابة على كل مكاتب الترحيل بالأسواق بالخرطوم والولايات خاصة الحدودية، حيث أشار إلى أن الحملات التي تم تنظيمها أخيراً منتشرة على كل الطرق السريعة والترابية والأسواق بالولايات المختلفة، مشدداً على ضرورة تدخل الدولة وتكثيف الدور الرقابي على المناطق الحدودية سيما أن تهريب الوقود يؤدي إلى تدمير اقتصاد البلاد. من جهة أخرى أضاف شمس الكمال حمد دياب الأمين العام لغرفة اللواري والدفارات السفرية باتحاد النقل أن الغرفة عقدت اجتماعاً أمس ضم الأمن الغذائي والترحيلات ونقابة السائقين والتجار و تنويرهم بالحملات والعمليات بجانب توجيههم باتباع الإجراءات التي تم وضعها والمتعلقة بالجمارك والترخيص والتفتيش والإجراءات المتعلقة بشرطة المرور السريع محذراً من عدم الانضباط والضوابط الموضوعة بهذا الشأن التي تعرض إلى المساءلة القانونية والعقوبات الرادعة التي سيتم تطبيقها على المخالفين الذين تحركهم أطماعهم الشخصية. ومن جهة أخرى بدأت ولاية جنوب كردفان في تفعيل نقاط المراقبة على الحدود مع دولة جنوب السودان لمنع عمليات تهريب السلع والتعامل وفقاً للقانون مع أصحاب السلع والشاحنات التي تمت ضبطها الأسبوع الماضي. وحسب رأي مدير جهاز الأمن الأسبق اللواء ركن «م» حسن ضحوي ل «الإنتباهة» عن الآلية المشتركة بالتضامن مع جهاز الأمن والمخابرات فإنها قادرة على تنفيذ تلك المهمة وستكون فرصة النجاح كبيرة، مشيراً إلى أن كل المعطيات تدل على ذلك، مضيفاً إلى جدية الحكومة أيضاً فى ردع المهربين والقيام بتفعيل آلياتها الموجودة لمنع عمليات التهريب العابر إلى دولة جنوب السودان. مضيفاً أن الاتفاقيات التي تمت في هذا الجانب مع دولة الجنوب حسب اتفاق التعاون المشترك لا يمكن تنفيذها بصورة منفردة، مؤكداً حرص الدولة على تنفيذها بشكل كلي ومتزامن حتى لا تؤثر الترتيبات الأمنية على بقية الملفات. وفى السياق ذاته وجه اتحاد عام غرف النقل السوداني لتنظيم حملات مكثفة لمكاتب ترحيل البضائع وعلى الطرق لمحاربة تهريب السلع إلى دولة الجنوب. وقال شمس الكمال حمد، الأمين العام لغرفة اللواري بالاتحاد، إن الحملات ستشمل كل مكاتب ترحيل البضائع بالأسواق داخل الخرطوم والولايات خاصة الحدودية مع دولة الجنوب، وأن الحملات تضم الجهات الأمنية والشرطية والجهات ذات الصلة. وحذّر الأمين العام التجار بعدم الالتفات للإغراءات التي تقدم من الجنوب و ضرورة الالتزام باللوائح والقوانين التجارية إلى حين تنفيذ اتفاقيات التبادل التجاري بين الخرطوم وجوبا. وكانت السلطات السودانية قد أعلنت قبل أيام ضبط عشرات الشاحنات المحملة بالوقود والمواد الغذائية، وهي تحاول تجاوز الحدود عبر طرق فرعية غير مطروقة بولاية جنوب كردفان وبتصاريح سفر لوجهات ومناطق لا علاقة لها بالمنطقة التى ضبطت فيها السلع.