اهتمام متعاظم توليه الحكومة السودانية وحزبها الحاكم لزيارة الرئيس المصري محمد مرسي للسودان التي ابتدأت أمس الخميس وتنتهي اليوم الجمعة، وأجهزة الإعلام الرسمية التي قررت إفراد تغطية خاصة لزيارة مرسي من مؤتمر صحفي إلى ملفات إخبارية وحوار على الفضائية السودانية إلى آخره، لا يبدو هذا الاهتمام من فراغ، فالخرطوم دون شك العاصمة الأكثر رضا بزوال حكم المخلوع حسني مبارك الذي لاقت من قبله ألواناً من الضرر الإقليمي والدولي. فكانت توقعات إخوان الخرطوم حيال إخوان في شمال الوادي كبيرة، لذا كان الرئيس عمر حسن البشير هو أول رئيس يزور القاهرة بعد تولي مرسي لمقاليد الرئاسة في نهاية يونيو الماضي، وبينما يحتفي الإعلام الرسمي والصحافة المصرية بزيارة مرسى حتى أن الأهرام المصرية أبرزت على موقعها الإلكتروني تقريراً تناولت فيه تلك الحفاوة، لم نسمع للإعلام الرسمي أو الخاص في مصر اهتماماً مشابهاً لدى زيارة الرئيس البشير للمحروسة المصرية، بل حتى على المستوى الرسمي ربما لم يكن الحال كما ينبغي أن يكون عليه. وبطبيعة الحال ليس من المتوقع أن يكون لفلول الدولة العميقة علاقة بالجانب الرسمي على الأقل. ولما كانت العلاقات بين الدول تبنى على المصالح سواء الاقتصادية منها أو السياسية وليس العواطف، لذا فإن النيل الذي يعتبر صمام الأمن القومي لمصر ومصدر اهتمام كبير للسودان الذي يتجه لاستخدام كل حصته من مياه النيل التي كفلتها له اتفاقية 1959 وتقدر ب «18» مليار متر مكعب، من المتوقع أن يحظى باهتمام الجانبين، خاصة عقب تكتل كل دول حوض النيل في صف اتفاق عنتبي الإطاري حتى دولة جنوب السودان أعلنت أكثر من مرة رفضها للاتفاق، وليس ببعيد أن تيمم شطر عنتبي هي الأخرى، ومن القضايا التي توليها الخرطوم اهتماماً كبيراً هي استضافة القاهرة للحركات المتمردة ضد الخرطوم وأنشطتها، من قبيل تدشين الفجر الجديد فضلاً عن استقبال وفد لحركة العدل والمساواة أخيراً مما دفع الأخيرة لإبداء احتجاج رسمي عبر سفيرها بالقاهرة كمال حسن، على استقبال حركة العدل، ووصفه بأنه غير مقبول. وقد بررت القاهرة الخطوة بأنها محاولة لحث الحركة على الانخراط في العملية السلمية. وسابقاً كان القذافي يردد القول نفسه، أما ملف النزاع حول حلايب وشلاتين فقد صرحت الخارجية السودانية غير مرة أن الأوضاع الراهنة في مصر غير مواتية لإثارة القضية الآن، والشيء ذاته كرره نائب رئيس الحزب الحاكم للشؤون التنظيمية نافع علي نافع لدى زيارة رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمون سعد الكتاتن، ولا يمكن تجاوز الاقتصاد وتنسيق المواقف السياسية، فمصر التي تستورد القمح من البراري الأمريكية والكندية بإمكانها أن تستثمر في أراضي السودان الخصبة في إنتاج المحصول الإستراتيجي. وقد سبق للخرطوم أن طرحت المشروع على مبارك إلا أنه رد عليها بالقول«أمريكا ما تسمحش»، إضافة لتصدير اللحوم السودانية لمصر، الذي يوفر على مصر التي تستورده من دول أمريكا اللاتينية، تكاليف الشحن والنقل ذات الكلفة العالية مقارنة بالسودان الأكثر قرباً. وفي الوقت نفسه يستفيد السودان الذي يستورد المنتجات الغذائية والصناعية بكميات كبيرة من مصر، وفي السياسة فإن أبسط ما تتطلبه العلاقات بين البلدين أن تكون القاهرة محايدة إن لم تناصر الخرطوم في المحافل الإقليمية والدولية، فعلت القاهرة أخيراً بتأييدها لشغل دولة يوغندا التي تعادي الخرطوم وتحتضن الحركات المتمردة ضدها منصب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الوقت الذي اعترض فيه السودان على هذا الترشيح فضلاً عن تفعيل اتفاقية الحريات الأربع بالنسبة للسودانيين، بعد أن شرعت الخرطوم في تطبيقها في عهد المخلوع مبارك. وفي تعليقه على زيارة مرسي يرى أستاذ العلوم السياسية عبد الرحمن أبو خريس أن الزيارة مهمة للجانبين. فالقاهرة تسعى لإعادة بناء مكانة مصر في العالمين العربي والإسلامي، مقابل تنامي أدوار دول أخرى مثل قطر، ولتحقيق هذا المقصد فهي بحاجة لدعم تلك الدول خاصة الدول ذات الأنظمة المشابهة لها كالخرطوم التي تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة، وبينهما حدود مشتركة وتواصل اجتماعي مقدر، لا سيما وأنها تواجه تحديات كبيرة جراء عدم تعاون الدول الغربية، أما السودان فينظر إلى قضية الحركات المتمردة وينتظر أن تتعامل معه مصر على نحو أكثر موضوعية، يتجاوز مرحلة التحامل التي كان يبديها تجاهها نظام مبارك في ملف الحركات المتمردة، ويستدرك خريس في حديثه ل «الإنتباهة» وإن كان ليس من المتوقع أن يتم تجفيف الحركات نهائياً. كما أن مرسي منتخب من شعبه مما يجعله مقبولاً دولياً سيشكل رصيداً إيجابياً للسودان على المستوى الدولي، خاصة وأن مصر التي تعاني من إشكالات داخلية معقدة حالياًً تهتم كثيراً لتأمين عمقها الجنوبي الإستراتيجي في السودان، فضلاً عن أنه قد آن الأوان لتفعيل كل هذه المصالح المشتركة لضمان خدمة مصلحة شعبي وادي النيل. ولما كانت الحكومة المصرية نفسها تجد مشقة ورهقاً من عقبة الدولة العميقة التي لا تزال تسيِّر مفاصلها مؤسسات النظام السابق، فإن خريس يشير إلى صعوبة تجاوز إشكالات الدولة العميقة في الوقت الراهن فيما يلي علاقات البلدين، وإن كان هذا ممكناً في المستقبل، محدثاً عن أهمية العمل على نقل ملف العلاقات مع السودان من الجهات الأمنية إلى الجهات الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية. فالتعامل مع السودان من المنظور الأمني أضعف علاقات البلدين بصورة كبيرة في حقبة مبارك. على كل فإن زيارة مرسي التي تأخرت كثيراً وجاءت بعد أن جاب البلدان غرباً وشرقاً، وفسرها بعض منتسبي مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والإستراتيجية بأنها نتيجة لإلحاح شديد من الخرطوم، ستحدد مسار علاقات البلدين مستقبلاً.