لعن الله السياسة... لقد ساست الناس حتى جعلت الكراهية والخلاف والفجور في الخصومة منهجاً لأهل السودان. أهل السودان الذين يقطعون الطريق للمسافرين لا ليسلبوهم أموالهم وأرواحهم ولكن ليستوقفوهم لتناول الفطور في مغارب رمضان. جعلتهم السياسة قُطاع طرق على المسافرين في طريق ودبندة والمجرور والمهاجرية وعدد من طرق دارفور وشمال وجنوب كردفان وبالمواتر والرشاشات ومعظم هؤلاء من أبناء تلك المناطق أي أنهم لم يهبطوا من كواكب أخرى السياسة التي جعلت الحكامات وهن المتسيطرات إعلامياً على سلوك وأمزجة الرجال تمجد النهب والسلب والقتل. ولكن أهل السودان لا يشبهون هذا.. بل يشبهون ما سأقصه عليكم هنا. كان المطر ينهمر مدراراً على أرض البطانة... في ليلة من ليالي «النترة». الخبر الأكيد قال البطانة إترشت سارية تبقبق للصباح ما انفشت هاج فحل أم صريصر والمنايح بشت وبت أم ساق على طرف الفريق اتعشت في هذه الليلة قصد جماعة نوراً ينبعث من «سهراجة» في قطية قريبة. رحب بهم الرجل وأنزلهم عنده ولم يكن يملك غير تلك القطية التي بداخلها زوجته وطفلام يرقدان على «عنقريب». - الرجل يقول لامرأته: - قومي يا المبروكة.. عشي الرجال ديل.. المطر تقيل والزيفة شديدة. ترد المرأة أن كل شيء موجود ولكن ليس هناك وقود.. الفحم مبلول والواطة غرقانة. لم يتردد الرجل أن يقول لها: - ما دام إتي جاهزة .. أنا جاهز.. وتناول فأساً وأخذ يهوي به على «كرعين العنقريب» وماهي إلا دقائق وكان هو وهي والنار جاهزين.. وكذلك الضيوف الذين تعشوا وشربوا الشاي باللبن ودفئوا بما داخل تلك القطية من مشاعر تغرق سكان الصين. هذا هو الذي يشبه أهل السودان.. لا تلك المفاوضات السياسية العقيمة في الدوحة التي استمرأ ذلك الجيش الجرار من مفاوضي السودان «من الجانبين» البقاء في فنادقها الفخمة يطيلون أمد المفاوضات حول لعاع الدنيا الزائل وهناك الملايين يقبعون في المخيمات التي لا يشبه ليلها نهارها. حيث الشمس الحارقة بالنهار والخوف والنهب بالليل. لعن الله السياسة التي حولت الناس إلى حجارة صماء لا تسمع ولا تعي.. ولا تبصر إلا مصالحها الضيقة التي مهما اتسعت لن تساوي صرخة طفل جائع. أليست فضيحة أن تبقى كل تلك الوفود بتنوعاتها وأشكالها ومسمياتها شهوراً وسنوات في بلد مضياف كقطر ووفودنا غير قادرة على تكسير «كرعين عنقريب» المفاوضات لتدفئ به برودة المفاوضات العقيمة الكسيحة المصابة بشلل أطفال السياسة السودانية؟ أخجل كثيراً.. وأنا أسمع أن هناك من يتمحرك ويتحجج .. حتى يحصل على لعاع أكبر لكي يوقع.. بينما يتلمظ آخر في انتظار ما يعد به مؤتمر المانحين وفي هذه الأثناء تتحرك جحافل القوات الناهبة على الأرض.. تقتل الرجال والنساء والأطفال بعد أن قتلت المروءة وشربت من دمها. آخر الكلام: عندما جاءنا نبأ يقول إن المروءة قد ماتت.. ذهبنا نبحث عن صيوان العزاء... في الشرق والغرب والشمال والجنوب والوسط.. بحثنا طويلاً.. لم نجده.. هدهد فصيح قال لنا: لن تجدوا صيوان العزاء.. لأن هذا يخص الحيوانات الأخرى... ولكن ليقم كل منكم صيواناً للعزاء في داخله ويقدم العزاء لنفسه. «وأستغفر الله العظيم لي ولكم».